top of page

ناقش المنتدى السنوي الثاني للضحايا في شمال سوريا، احتياجات وأولويات الضحايا في شمال وشمال شرق سوريا، سعياً لإنصافهم ومناصرة القضايا ذات الأولوية بالنسبة لهم، وأفضى إلى توصيات من شأنها المساهمة في جهود كشف الحقيقة، المساءلة، وتحقيق العدالة من وجهة نظرهم

خلفية:

أثر النزاع السوري المستمر منذ عام 2011 على جميع مفاصل الحياة في البلاد، حيث تعددت أطراف النزاع وانقسمت الجغرافية السورية إلى مناطق نفوذ/سيطرة مختلفة، وتدخلت أطراف إقليمية ودولية على خط الصراع السوري لتزيد المشهد تعقيداً، كما ارتُكبت جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان، لا حصر لها، في ظل غياب المساءلة واستمرار الإفلات من العقاب.

كما كان من تداعيات استمرار النزاع في سوريا، تدمير البنية التحتية وتدهور الخدمات الاجتماعية، مما أدى إلى احتياجات إنسانية هائلة، وكان سبباً في دفع ملايين السوريين للسفر واللجوء، سواءً للقارة الأوروبية، أو للدول المجاورة، التي استخدم عدد منها، وعلى رأسها تركيا، ملف اللاجئين كأداة لابتزاز المجتمع الدولي والتدخل في سوريا. ناهيك عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، التي تعرض ويتعرض لها السوريين في مختلف مناطق السيطرة، حيث قُتل أكثر من 350 ألف سوري/ة كنتيجة مباشرة لعقد من النزاع، بحسب الأمم المتحدة، كما إن عشرات الآلاف من المدنيين الذين اعتُقلوا تعسفياً، لا يزالون مختفين قسراً، بينما تعرض آلاف آخرون لسوء المعاملة والتعذيب، بما في ذلك العنف الجنسي، أو الموت رهن الاحتجاز. لا يزال الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري وغيرها من ضروب المعاملة السيئة متفشية لدى جميع أطراف النزاع، في ظل تزايد عدد مرافق الاحتجاز سيئة السمعة المنتشرة في البلاد، حيث يتم استخدام الاعتقال والحبس التعسفي بشكل متعمد لبث الخوف وقمع الرأي العام المعارض بين السكان المدنيين، أو في أحيانٍ أقل لتحقيق مكاسب مالية.

كما رافق النزاع انتهاكات أخرى ارتُكبت على نطاق واسع، تشمل مصادرة الممتلكات أو تدميرها أو احتلالها بصورة غير قانونية، وإجبار السكان على ترك منازلهم، وعرقلة عودة السكان الأصليين، ولا سيما من قبل قوات الحكومة السورية والمجموعات المسلحة الموالية لها في المناطق التي استعادتها من سيطرة قوات المعارضة المسلحة، ومن قبل القوات التركية وفصائل "الجيش الوطني السوري" المُعارض، في مناطق عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض شمال سوريا، التي تحتلها تركيا كنتيجة لعمليتي "غصن الزيتون" في عام 2018 و "نبع السلام" في عام 2019.

كذلك تعرضت الأقليات الدينية والعرقية للاستهداف، وخاصةً في مناطق من شمال سوريا، التي تتميز بتنوعها الاثني والديني والقومي، إذ يعيش فيها المسلمون والمسيحيون والايزيديون، الكُرد منهم والعرب والأرمن والسريان والآشوريين والشركس والشيشان والتركمان، يجمعهم السلم الأهلي والتعايش المشترك.

يعتمد ملايين الأشخاص في شمال شرق وشمال غرب سوريا، وكثير منهم من النازحين داخلياً، على تدفق الغذاء والدواء والمساعدات الأخرى الضرورية عبر الحدود. في عام 2020، استخدمت روسيا حق النقض "الفيتو" لإجبار "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" على إغلاق ثلاثة من المعابر الحدودية الأربع المُصرح لها باتجاه شمال سوريا، ما أدى إلى قطع المساعدات الأممية عبر الحدود عن الشمال الشرقي بالكامل، وزاد من صعوبة توزيع المساعدات في الشمال الغربي. حالياً، يعتمد شمال غرب سوريا بالكامل حصرياً على معبر "باب الهوى" الحدودي مع تركيا، كونه الوحيد المتبقي إلى شمال غرب البلاد لتلقي جميع المساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية التي تقدمها الأمم المتحدة للمدنيين. بلغ انعدام الأمن الغذائي مستويات عالية قياسية في شمال سوريا. تستمر أسعار المواد الغذائية في الارتفاع بشكل حاد، ولا تزال الخدمات الأساسية محدودة جداً، وهناك نحو ثلاثة ملايين نازح داخلي. من بينهم 1.8 مليون شخص يعيشون في مخيمات غير رسمية.

11.png
6.jpg

مقدمة:

إنّ السوريين والسوريات من جميع شرائحهم/ن وإثنياتهم/ن المتنوعة، وشتى توجهاتهم/ن هُمّ ضحايا نزاع مستمرّ لأكثر من عقد من الزمن، لدرجةٍ لا يُعرف معها سوريّ أو سوريّة بمنأى عن تداعيات الصراع، أيّ أنّ الجميع ضحايا بدرجات متفاوتة، لكن بعض الظروف أدّت إلى معاناة إضافية للضحايا، كظروف النزوح الداخلي، والتي ترافقت في الكثير من الحالات بتهجير قسري، كما حصل إبان العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا، كالعملية التي أطلقت عليها "أنقرة" اسم "غصن الزيتون" في عام 2018، والتي أفضت إلى احتلال منطقة عفرين، وتلك التي أطلقت عليها اسم "نبع السلام" في عام 2019، والتي أفضت إلى احتلال مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض/كري سبي.

إنّ عدم امتلاك الضحايا للمعرفة الكافية حول حقوقهم الأساسية وآليات الدفاع عنها، يُضاعف من معاناتهم، ويجعلهم أكثر عرضة للانتهاكات، كما أن الإفلات من العقاب يغذي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ويؤدي إلى تفاقمها، لذا تعمل "تآزر" على توثيق كافة انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها جميع أطراف النزاع، وتسعى إلى المساهمة الفعالة في عمليات المساءلة والعدالة حول سوريا، بهدف إنصاف الضحايا ومكافحة الإفلات من العقاب.

وفي خضم سعيها لفهم احتياجات وأولويات الضحايا بما فيهم النازحين/ات والمهجّرين قسرياً، وتوفير مساحة للنقاش فيما بينهم، نظّمت رابطة "تآزر" للضحايا، خلال أيلول/سبتمبر 2023، ثلاث جلسات نقاش مركزة، شارك/ت فيها 25 شخصاً من الضحايا والناجين/ات وعائلاتهم/ن في شمال وشمال شرق سوريا، كما أعدّت الرابطة استطلاعاً للرأي استهدف 200 شخصاً من الضحايا والناجين/ات والمدافعين/ات عن حقوق الإنسان ونشطاء وناشطات المجتمع المدني.

أفضت جلسات النقاش وتحليل نتائج استطلاع الرأي، إلى تحديد الأولويات والاحتياجات المختلفة للضحايا، وصياغة وتطوير أجندة المنتدى السنوي الثاني للضحايا في شمال سوريا، بهدفِ توفير منصّة ومساحة للضحايا والناجين/ات وعائلاتهم/ن في شمال وشمال شرق سوريا، لتمثيل أنفسهم/ن بنفسهم/ن والمطالبة بحقوقهم/ن، وكذلك التنسيق فيما بينهم/ن لتحقيق أهدافهم/ن.

احتياجات وأولويات الضحايا في شمال سوريا:

نظّمت رابطة "تآزر" للضحايا ومنظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" ورابطة "دار" لضحايا التهجير القسري، بتاريخ 27 تشرين الأول/أكتوبر 2023، المنتدى السنوي الثاني للضحايا في شمال سوريا، تحت شعار "معاً صوتنا أقوى".

سلّط المنتدى الضوء على احتياجات وأولويات الضحايا في شمال سوريا، سعياً لأنصافهم ومناصرة القضايا ذات الأولوية بالنسبة لهم، بما في ذلك الحقّ في العودة الآمنة والكريمة والطوعية، وكشف مصير المفقودين/ات والمختفين/ات قسرياً، وتحقيق السلام والاستقرار، واستعادة الممتلكات والحقوق المسلوبة، ومساءلة مرتكبي الانتهاكات، والتعويض وجبر الضرر، وتحسين الوضع الاقتصادي وواقع المخيمات.

وشارك في المنتدى الذي عُقد في مدينة القامشلي/قامشلو في شمال شرقي سوريا، 57 مشارك/ة، حضر معظمهم/ن بشكل فيزيائي، وآخرون عبر الفضاء الافتراضي، بينهم/ن 6 متحدثين/ات، وشمل الحضور ضحايا وناجين/ات، بما في ذلك النازحين/ات والمُهجّرين/ات قسرياً، وناشطون وناشطات، ومُدافعين/ات عن حقوق الإنسان وصُنّاع قرار، بالإضافة إلى العديد من الوكالات والمؤسّسات الإعلامية، المحلية والإقليمية والدولية.

5.jpg

الحق في العودة الآمنة والطوعية والكريمة:

أظهرت نتائج استطلاع الرأي الذي أعدّته رابطة "تآزر" للضحايا، واستهدف 200 شخصاً من الضحايا والناجين/ات وعائلاتهم/ن والمدافعين/ات عن حقوق الإنسان ونشطاء وناشطات المجتمع المدني في شمال وشمال شرق سوريا، أنّ "العودة الآمنة والطوعية والكريمة" هي من أكثر القضايا إلحاحاً وذات الأولوية بالنسبة لهم/ن، كما كانت المطلب الأكثر تكراراً في جلسات النقاش المركّزة، التي استهدفت ضحايا وناجين/ات وعائلاتهم/ن.

حيث لا يزال أكثر من 350 ألف شخص من سكان مناطق عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض شمال وشمال شرق سوريا، نازحين/ات ومهجرين/ات قسرياً، نتيجة عمليتيّ "نبع السلام" و "غصن الزيتون" التركيتان، من بينهم أكثر من 36 ألف شخص يعيشون في ثلاث مخيمات غير رسمية (واشو كاني وسري كانيه وتل السمن) في محافظتي الحسكة والرقة، وأكثر من سبعة آلاف نازح في خمس مخيمات غير رسمية (العودة وعفرين والشهباء والمقاومة والعصر) في منطقة الشهباء شمالي حلب.

وكنتيجة لاحتلال تركيا لمناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، لا يزال أكثر من 150 ألف شخص من السكان الأصليين لتلك المناطق نازحين ومهجرين قسرياً، في حين قامت تركيا وفصائل "الجيش الوطني السوري" التي تدعمها "أنقرة"، بتوطين أكثر من 2815 عائلة نازحة من مناطق سوريّة أخرى في منازل المُهجرين والنازحين قسرياً.

ففي منطقة رأس العين/سري كانيه، وعلى الرغم من مضي أكثر من أربعة أعوام على احتلالها، لا يزال أكثر من 85% من سكانها الأصليين مهجرون قسرياً، كما فقدت المنطقة ألوان وخصائص تنوعها، إذ لا يزيد عدد الكُرد فيها اليوم عن 45 شخصاً، بعد أن كان الكُرد يشكلون أكثر من 75 ألف نسمة قبيل الاحتلال التركي، ويقل عدد الأرمن والسريان والايزيديين عن عشرة أشخاص، كما نزح غالبية العرب والشيشان والشركس وغيرهم، في حين قامت تركيا بتوطين أكثر من ألفي عائلة نازحة من مناطق سوريّة أخرى، ومن اللاجئين الذين رحلتهم من أراضيها في منازل السكان المهجرين قسرياً، بما في ذلك عائلات عراقية من نساء وأطفال مقاتلي تنظيم "داعش"، كما أنّ منطقة عفرين والتي كانت نسبة الكُرد فيها تزيد عن 92% من مجمل عدد السكان، قبل عام 2011، تؤكد تقارير حقوقية أنّ نسبتهم تقلصت عقب احتلالها إلى ما دون 20% أو أقل.

وفي حين أنّ القاعدة 132 من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي تقول صراحةً أنّ "للأشخاص النازحين الحق في العودة الطوعية بأمان إلى ديارهم أو أماكن سُكناهم المعتادة حالما تنتفي الأسباب الي أدت إلى نزوحهم“. إلا أنّ معظم النازحين/ات والمهجّرين/ات قسرياً لا يستطيعون العودة، وقد وثّقت رابطة "تآزر" في تقرير لها، نُشر بتاريخ 26 شباط/فبراير 2023، أوجه عدم الاستقرار في مناطق "نبع السلام" التي تشهد حالة فوضى سلاح وانعدام الأمان، فضلاً عن الاقتتال الداخلي المستمر بين الفصائل على تقاسم ملكيات المهجّرين/ات، وحول  السلطة والنفوذ، وإدارة تجارة المخدرات، وتهريب البشر بين سوريا وتركيا. كما وثّقت في تقرير آخر، نُشر بتاريخ 19 كانون الثاني/يناير 2023، أنماطاً متكررة ومنهجية من عمليات النهب والاستيلاء على ممتلكات المدنيين في منطقتي "نبع السلام" و "غصن الزيتون"، خاصّةً تلك التي حدثت خارج سياق العمليات القتالية، كسلب الممتلكات العقارية والاستيلاء عليها بدون وجه حق، أو بيعها أو حرقها وتدميرها، وطرد سكانها الأصليين، ودفعهم الى مغادرة المنطقة، ما يؤدي إلى تغيير الهندسة الديمغرافية لتلك المناطق، كما يقوّض السلم الأهلي والتعايش المشترك الذي تتسم به.

كما أنّ لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنيّة بسوريا، قالت في تقريرها بعنوان "لا نهاية تلوح في الأفق: التعذيب وسوء المعاملة في الجمهورية العربية السورية 2020-2023" الذي صدر بتاريخ 10 تموز/يوليو 2023: "سبق للجنة أن توصّلت إلى أنّ الجيش الوطني السوري قد ارتكب في سياق الاحتجاز جرائم حرب تتمثّل في التعذيب والمعاملة القاسية وأخذ الرهائن والاغتصاب والعنف الجنسي، فضلاً عن أعمال ترقى إلى مستوى الاختفاء القسري".

المخيّمات مأساة مستمرّة:

إنّ أحد الصعوبات المستمرّة هي المخيّمات التي يقطنها النازحون/ات والمهجّرون/ات قسرياً، لا سيما المخيمات غير الرسمية أو غير المعترف بها من قبل هيئات الأمم المتحدة، كمخيّمات (واشو كاني وسري كانيه وتل السمن) في محافظتي الحسكة والرقة، ومخيمات (العودة وعفرين والشهباء والمقاومة والعصر) في منطقة الشهباء شمالي حلب، والتي لم يتم تسجيلها رسمياً أو التكفل بها حتى الآن من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أو غيرها من الهيئات والوكالات التابعة للأمم المتحدة، كما أنها لا تحصل على خدمات ومساعدات من قبل المنظمات الإنسانية الدولية إلا في الحدود الدُنيا.

وتزيد من معاناة قاطني تلك المخيمات حالات نقص المياه أو تلوثها، نتيجة سلسلة الانقطاعات المتكررة في مياه "محطة علوك" شرقي رأس العين/سري كانيه من قبل تركيا وفصائل "الجيش الوطني السوري"، والتي تزود مناطق الحسكة وريفها، ومن ضمنها مخيّمات النازحين بالمياه الصالحة للشرب والاستخدام، حيث تمّ تسجيل عشرات حالات الجرب بين الأطفال في مخيمي "واشو كاني" و "سري كانيه" في الحسكة منذ مطلع عام 2023. كما تتضاعف معاناة قاطني المخيمات في الجوانب الصحية، حيث تفتقر لخدمات صحية منتظمة وناجعة، فعلى سبيل المثال؛ لا يوجد سوى نقطة طبية واحدة في مخيم "تل السمن" الذي يضمّ 1246 عائلة بعدد أشخاص يبلغون 6448 نازح/ة، وهذه النقطة غير مُخدّمة بشكل كافي ولا تضم سوى قابلة نسائية وبعض الممرّضين.

وكانت السيدة "عزيزة مرعي" وهي إدارية في مخيّم "تل السمن"، وإحدى قاطنات المخيم الذي يضم نازحين/ات ومهجّرين/ات قسريا من منطقة تل أبيض/كري سبي نتيجة عملية "نبع السلام"، إحدى المشاركات في جلسات النقاش المركزة وكذلك المنتدى السنوي الثاني للضحايا، حيث سلطت الضوء على المعاناة المستمرة لقاطني هذه المخيّمات، قائلةً:

"إنّ قاطني المخيّم هم مهجّرون/ات قسرياً، لا يستطيعون العودة إلى مناطقهم -التي أدّعت تركيا حين احتلالها أنّها ستُنشئ منطقة آمنة- وقد فقدوا ممتلكاتهم التي تمّ الاستيلاء عليها من قبل الفصائل التي أولتها أنقرة إدارة تلك المناطق منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019. أنّ الناس هنا -في المخيم- يعيشون على الأمل في العودة الآمنة والطوعية يوماً ما".

 

أهمية المشاركة الفاعلة للضحايا والناجين/ات في جهود كشف الحقيقة، المساءلة، وتحقيق العدالة:

بدأ المنتدى بكلمة المدير التنفيذي لرابطة "تآزر" للضحايا، عز الدين صالح، الذي تحدث حول تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان نتيجة استمرار النزاع في سوريا منذ عام 2011، وأثرها على الضحايا والناجين/ات وعائلاتهم/ن، مشيراً إلى أهمية التنسيق بين الضحايا والناجين/ات، لتمثيل أنفسهم/ن وقيادتهم/ن لحملات الدفاع عن حقوقهم/ن، حيث لا يمكن تحقيق سلام شامل ومستدام في سوريا، بدون إنصاف الضحايا، ومشاركتهم الفاعلة في عمليات كشف الحقيقة، المساءلة، وتحقيق العدالة.

كما تمّ عرض فيديو حول حالة حقوق الإنسان في سوريا، وما خلّفه استمرار النزاع السوري منذ عام 2011 من ضحايا وأزمة إنسانية كارثية، لا تزال قائمة ومستمرة، وشمل إحصائيات حول ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سوريا، بما في ذلك القتل خارج نطاق القضاء والاعتقال التعسفي والاختفاء القسري وغيرها.

 

شارك/ت أربعة متحدّثين/ات في المحور الأول من المنتدى، الذي حمل عنوان احتياجات وأولويات الضحايا في شمال سوريا، حيث تحدّث الكاتب والناقد الأدبي "عبد الوهاب بيراني" حول احتياجات وأولويات الضحايا، بما في ذلك النازحين/ات والمهجرين/ات قسرياً، سواءً في المخيمات أو خارجها، ودور الأدب والفن، المهمّ والمُهمل، في توثيق واقع وقصص الضحايا، بينما تحدّثت الإعلامية والناشطة المدنية "أفين يوسف" عن دور الإعلام في مناصرة قضايا الضحايا على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، فيما تحدّث "خلف داوود" عضو مكتب العلاقات العامة في مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) حول واجبات ومسؤوليات الإدارة الذاتية والجهود الدبلوماسية اللازمة حيال القضايا ذات الأولوية للضحايا ومناطق شمال وشرق سوريا عموماً، وأخيرا تحدّث الأكاديمي والباحث السياسي "إبراهيم مسلم"، المقيم في فرنسا، عبر منصة Zoom، حول حالة حقوق الإنسان في مناطق شمال سوريا التي تحتلها تركيا.

 

 

آليات العدالة المتوفّرة للضحايا -محلياً ودولياً- حالياً ومستقبلاً:

تضمن المحور الثاني من المنتدى حوار فعّال وهادف بين المشاركين/ات حول آليات العدالة المتوفرة في السياق السوري، على الصعيدين المحلي والدولي، وحالياً ومستقبلاً، وأهمية المشاركة الفاعلة للضحايا والناجين/ات وعائلاتهم/ن في عمليات المساءلة والعدالة الانتقالية في سوريا.

وتحدّث المدير التنفيذي لرابطة "دار" لضحايا التهجير القسري "محي الدين عيسو"، المقيم في ألمانيا، عبر منصة Zoom، حول آفاق تحقيق السلام والاستقرار، والحقّ في العودة الآمنة والطوعية والكريمة، وضرورة العمل المستمرّ لتحقيقها.

بينما ركّز "أحمد حلمي" وهو مُدافع عن حقوق الانسان ومدير مبادرة تعافي لدعم الناجين/ات من الاعتقال والتعذيب على أهمية المُشاركة الفاعلة للضحايا في عمليات كشف الحقيقة والمساءلة وتحقيق العدالة، وتحدث حول تجربة "ميثاق الحقيقة والعدالة" الذي يضم عشرة روابط ضحايا سوريّة، تعمل بشكل مشترك بهدف الكشف عن الحقيقة، وضمان العدالة للمعتقلين/ات والمختفين/ات قسريًا وعائلاتهم/ن، باعتبارها حجر الأساس لتحقيق سلام دائم في سوريا، حيث قادت أسر وروابط الميثاق، ومن بينها "تآزر"، مع شركاء المجتمع المدني نضالاً دام سنوات للمطالبة بإنشاء هيئة دولية مستقلة تُعنى بكشف مصير المفقودين/ات والمختفين/ات قسرياً لدى جميع أطراف النزاع في سوريا، وتكللت جهودها بالنجاح بتاريخ 29 حزيران/يونيو 2023، حيث تبنت الأمم المتحدة قرار إنشاء هذه المؤسسة، التي ستكون مركزاً لجمع وتنظيم البيانات المتوفرة ذات الصلة بالمفقودين، وتوحيد معاييرها بالتنسيق مع الآليات القائمة الأخرى، بهدف تحديد أماكن وجود الأحياء من المفقودين، وتحديد أماكن دفن رفات المتوفين منهم وتحديد هويات أصحابها وإعادتها إلى الأُسر، كما أنها ستُوفر دعماً للضحايا والناجين/ات وأسرهم/ن.

كما ناقش/ت المشاركين/ات، بمن فيهم/ن المتحدّثين/ات، وبشكل واسع ومُركز، القضايا ذات الأولوية للضحايا والناجين/ات وعائلاتهم/ن، بما في ذلك النازحين/ات والمُهجرين/ات قسرياً، وبحثوا سبل تحقيق العدالة، من وجهة نظرهم/ن.

ركّزت النقاشات على ضرورة نشر الوعي حول أهمية التوثيق بهدف كشف الحقيقة، والمشاركة الفاعلة للضحايا والناجين/ات وعائلاتهم/ن في جهود المساءلة، كحقّ أساسي ونوع من الانتصاف الفعال للضحايا، في سعيهم لإخضاع مرتكبي الانتهاكات والجناة للمساءلة، وتحقيق العدالة.

وفي إشارة إلى عمليات القطع الجائرة وواسعة النطاق لأشجار الزيتون والأشجار الحراجية في منطقة عفرين، من قبل فصائل "الجيش الوطني السوري" التي تدعمها وتمولها تركيا، قال الكاتب والمؤرخ "عبد الله شكاكي" المُهجر قسرياً من عفرين نتيجة عملية "غصن الزيتون":

"في عفرين لم يكن السكان فقط ضحايا، بل كانت الطبيعة أيضاً مُستهدفة ومُستباحة، ولا تزال كذلك حتى اللحظة".

ووثق تقرير أعدته منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" وجمعية "ليلون" للضحايا، ونُشر بتاريخ 12 نيسان/أبريل 2023، عمليات قطع جائرة وواسعة النطاق لأشجار حراجية/برية في 114 موقعاً بمنطقة عفرين، من بينها 57 موقعاً تضرر بشكل كامل على أيادي فصائل المُعارضة المسلحة الموالية لتركيا.

وحول أهمية مشاركة الضحايا الفاعلة في جهود كشف الحقيقة، المساءلة، وتحقيق العدالة، قال الصحفي "عبد الحليم عبد الحليم" وهو من المهجرين قسرياً من منطقة رأس العين/سري كانيه خلال مشاركته في المنتدى السنوي الثاني للضحايا:

"الوعي بأهمية التوثيق بمشاركة الضحايا أنفسهم هي أهم خطوة على طريق العدالة، ولأن الهجرة نحو بلدان اللجوء في ازدياد كل يوم، لا سيما هجرة الضحايا والمهجرين قسرياً أنفسهم، فإنّنا بذلك نفقد الشهود والأدلة، لذا علينا تكثيف جهود التوثيق".

كما أضاف الناقد والكاتب "عبد الوهاب بيراني" أنّ التوثيق لا يقتصر على الجهد القانوني، مشيراً إلى أنماط أخرى من جهود التوثيق الهادفة لكشف الحقيقة وتعزيز التضامن مع الضحايا.

"ثمة جانب مهمٌّ في التوثيق لا يقلّ أهمية عن التوثيق القانوني والحقوقي، ألا وهو التوثيق بالأدب والفن، نحتاج إلى هذا النوع من التوثيق للضحايا".

وتأكيداً لأهمية اعتماد نهج يُركز على تجارب ووجهات نظر وأولويات الضحايا والناجين/ات وعائلاتهم/ن، قال الكاتب والروائي "ريدي مشو":

"الأولوية الأساسية هي النضال من أجل قضايا الضحايا من وجهة نظر إنسانية لا سياسية، والتركيز على الجوانب الإنسانية والقانونية، والسعي لتعزيز التضامن الإنساني مع الضحايا".

4.jpg

التوصيات:

أفضت النقاشات خلال المنتدى وجلسات النقاش وحوارنا المباشر مع الضحايا والناجين/ات وعائلاتهم/ن، إلى عدد من التوصيات، من أهمّها:

إلى ضحايا النزاع في سوريا:

  • التنسيق بين الضحايا –أي أهل القضية– وتنظيم أنفسهم، وقيادتهم الجهود الهادفة للدفاع عن حقوقهم ومناصرة القضايا ذات الأولوية بالنسبة لهم.

  • رفع الوعي حول أهمية التوثيق بمبادرة من الضحايا وبقيادتهم، ودوره في بناء سرديّة جامعة للضحايا، وتطوير رؤيتهم حول العدالة والانتصاف الفعّال.

  • النضال المستمر من أجل ضمان المشاركة الفاعلة للضحايا والناجين/ات وعائلاتهم/ن في عمليات كشف الحقيقة، المساءلة والعدالة حول سوريا، كحق أساسي لهم/ن، وشرط لا غنى عنه لبناء سلام شامل ومستدام في البلاد.

 

إلى الأمم المتحدة وصنّاع القرار والفاعلين الدوليين:

  • تقديم الدعم الكافي لضحايا النزاع في سوريا، ولا سيما النازحين/ات والمهجرين/ات قسرياً، بما يلائم احتياجاتهم/ن وأولوياتهم/ن.

  • تبني ودعم المخيمات التي لم تحظى بعد باعتراف هيئات الأمم المتحدة، كمخيمات نازحي عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض وغيرها.

  • تقديم المساعدات الإنسانية عبر الحدود لسكان شمال شرق سوريا، عن طريق معبري اليعربية/تل كوجر وسيمالكا/فيشخابور، دون انتظار موافقة الحكومة السورية و/أو غيرها من أطراف النزاع، كون المساعدات الإنسانية تعتبر من المستلزمات المنقذة للحياة.

  • الضغط على الحكومة السورية للالتزام بواجباتها القانونية والإنسانية والأخلاقية تجاه مواطنيها، وضمان حماية حقوقهم الأساسية، والتعاون مع الهيئات الأممية لإنهاء النزاع، بناء السلام، وتحقيق العدالة.

  • الضغط على الحكومة التركية للاعتراف باحتلالها للمناطق التي تسيطر عليها فعلياً في شمال سوريا، ومن ضمنها عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض، والقيام بواجباتها كدولة احتلال وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة، بما في ذلك الانسحاب من المناطق التي تحتلها بأقصى سرعة ممكنة، ومنع قواتها والفصائل والميليشيات التابعة لها من ارتكاب انتهاكات بحق السكان المدنيين، وضرورة محاسبة جميع المتورطين في هذه الانتهاكات.

  • فرض عقوبات على الشخصيات والفصائل والكيانات السورية، وتلك الوافدة إلى سوريا، المتورطة في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم حرب، ومساءلة الجهات التي تدعمها وتمولها.

  • محاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان، أفراداً وجماعات، وتوفير آليات انتصاف فعّالة للضحايا، تتوافق مع رؤيتهم للانتصاف والعدالة في سوريا.

  • الضغط على الحكومة التركية لوقف هجماتها العدائية على الأعيان المدنية، البنى التحتية والمرافق الحيوية في مناطق شمال وشرق سوريا، والتي تفاقم الأزمة الإنسانية الكارثية القائمة، وتُدمر سبل عيش السكان، وتُهدد استقرار المنطقة الهش أساساً، ومطالبتها بمحاسبة مسؤوليها المتورطين في ارتكاب جرائم الحرب.

  • الضغط على الحكومتين السوريّة والتركية لوقف استخدامهما المياه كسلاح ضد أهالي وسكان مناطق شمال وشمال شرق سوريا، وتحييد الموارد المائية عن التجاذبات السياسية.

  • الضغط على الحكومة التركية لتوفير البيئة الآمنة والمحايدة في المناطق التي تحتلها، لتأمين العودة الطوعية والآمنة والكريمة للنازحين/ات والمهجّرين/ات إلى أماكن سكنهم الأصلية، والكفّ بشكل فوري عن سياسات التغيير الديموغرافي للمناطق التي تحتلها، وإزالة الآثار الناجمة عن تلك الممارسات.

  • الضغط على جميع أطراف النزاع في سوريا للكشف عن مصير المعتقلين/ات والمفقودين/ات والمختفين/ات قسرياً، وتحديد أماكن دفن رفات المتوفين/ات منهم/ن وتحديد هويات أصحابها وإعادتها إلى الأُسر، وتقديم الدعم والتسهيلات اللازمة للناجين/ات وعائلاتهم.

إلى روابط/جمعيات الضحايا ومنظمات المجتمع المدني:

  • العمل بشكل مستمر على تحديد احتياجات وأولويات الضحايا والناجين/ات وعائلاتهم/ن، بما في ذلك النازحين/ات والمهجرين/ات قسرياً، وإشراكهم/ن في بناء خططها وسياساتها، وتصميم الأنشطة والتدخلات الملائمة.

  • حشد الرأي العام، المحلي والعالمي، حول انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها جميع أطراف النزاع في مناطق شمال وشمال شرق سوريا، والعمل من أجل إنصاف الضحايا وتعويضهم.

  • توثيق جميع انتهاكات حقوق الإنسان، أياً كانوا الضحايا وأياً كانت الجهات المُنتهكة، كالقتل خارج نطاق القضاء والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب والتهجير القسري، وكذلك تلك التي تطال حقوق الأرض والسكن والملكية، وتقديمها للهيئات الأممية وآليات العدالة المتوفرة حول سوريا، بهدف المساهمة في جهود كشف الحقيقة، المساءلة والعدالة حول سوريا.

  • تضخيم أصوات الضحايا والناجين/ات وعائلاتهم/ن وتمكينهم لتمثيل أنفسهم/ن وقيادة حملات الدفاع عن حقوقهم/ن ومناصرة قضاياهم/ن.

  • توفير كل أنواع الدعم (القانوني والطبي والاجتماعي والنفسي والخدمي) بشكل كافي وفعّال للضحايا والناجين/ات والنازحين/ات والمهجرين/ات قسرياً.

  • تكثيف حملات وأنشطة التوعية والتدريب للنازحين/ات والمهجّرين/ات لتعريفهم/ن بحقوقهم/ن المسلوبة، لاسيما تلك المتعلقة بالأرض والسكن والملكية، ورفع الوعي حول أهمية الاحتفاظ بوثائق إثبات الملكية، ومساعدتهم/ن في استصدار الوثائق القانونية في حال فقدانها أو تلفها أو ما شابه.

إلى الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا:

  • الحوار المستمر مع ضحايا النزاع في سوريا، بما في ذلك النازحين/ات والمهجرين/ات قسرياً، وإشراكهم/ن في صناعة القرارات الصادرة عنها.

  • تأمين الخدمات الأساسية للنازحين/ات والمهجرين/ات قسرياً في مناطقها، لا سيما سكان المخيمات، وضمان حقوقهم الأساسية، وتأمين فرص العمل لهم/ن، ومساعدتهم/ن في التأقلم مع المجتمع المضيف.

رأس العين/سري كانيه في
ثلاث محطات

انتفاضة 2004 الكردية – الحرب على رأس العين/سري كانيه 2012/2013 – احتلال 2019

 المقدمة

تتناول هذه الورقة ثلاث محطات رئيسية عصفت بمدينة رأس العين/سري كانيه منذ مطلع الألفية وإلى يومنا هذا، وبشيء من التفصيل جرت محاولة تعقّب الأبعاد التي وضعت هذه المنطقة في بؤرة الأعمال الوحشية والانتهاكات على يد النظام والموالين له في عام 2004 إبان الانتفاضة الكردية، ومحاولات السيطرة عليها في فترة الحرب الأهلية السورية وما استتبع ذلك من انتهاكات ورغبة في بسط سيطرة الجماعات الجهادية وفصائل “الجيش الحر” ومن خلفهما تركيا على كامل منطقة الجزيرة السورية انطلاقاً من رأس العين/سري كانيه، ومن ثم احتلال تركيا للمدينة أواخر عام 2019 وما تعرضت له من انتهاكات على يد القوات التركية والفصائل المسلحة السورية الموالية لها، والتي استمرت حتى لحظة كتابة هذه المادة.

لطالما وصفت رأس العين/سري كانيه بأنها صورة مصغّرة لسوريا، لجهة التعدد الديني والإثني. والحديث هنا عن كرد وعرب وشيشان وسريان آشوريين وأرمن وتركمان، مسلمون ومسيحيون وإيزيديون. وإذا كانت فكرة التعايش حقيقية إلى درجة كبيرة، فإن العوامل والمؤثرات الخارجية كان لها دور في كشف هشاشة التعايش الاجتماعي بين الجماعات الأهلية في المنطقة وقدرة الأطراف الخارجية في تأليب جزء من جماعة ضد أخرى، كالدور الذي لعبه النظام السوري زمن انتفاضة 12 آذار 2004، ودور تركيا في معارك 2012/2013، وكذلك دورها المباشر في الحرب على رأس العين/سرى كانيه 2019.

بطبيعة الحال، كان لإهمال السوريين الأوضاع في رأس العين/سري كانيه، وتناسي معاناة سكانها، دوره المحفّز لكتابة هذه المادة، إذ تسعى هذه الورقة المساهمة في أرشفة جزء يسير لما تعرضت له المدينة وسكانها من سياسات متماثلة قائمة على أفكار التطويع والإخضاع، وإن كانت الحرب التركية على رأس العين/سري كانيه وتل أبيض تمثّل الوجه الأكثر وحشية بين سلسلة الأحداث التي تعرضت لها المدينة. وعليه، فإن الغاية من هذا البحث إعادة تركيب الأحداث التي عصفت برأس العين/سري كانيه، ومحاولة تجميع المعلومات التي نجدها هامة لفهم كل ما جرى. لذلك، فإن هذا الورقة ليست قراءة تاريخية، بقدر ما هي محاولة لأرشفة ما جرى في الأعوام 2004، و2012/2013، و2019 وصولاً إلى وقتنا هذا.

المنهجية المتبعة في هذا البحث اعتمدت بدرجة أساسية على ست مقابلات أجراها المركز الكردي للدراسات لغرض إعداد هذا البحث مع أشخاص كانوا داخل المشهد في الفترات الثلاث. كما تمت مقاطعة شهاداتهم مع الأخبار والمعلومات المتاحة. كذلك، اعتمد البحث على كتب مرجعية ومواد خبرية وأخرى تحليلية.

الفصل الأوّل: 2004 – رأس العين/سري كانيه في مهب الانتفاضة

كان من نتائج الاحتلال الأميركي للعراق أن ألقى بثقله على العلاقة العربية الكردية في سوريا أيضاً. ازدادت ثقة كرد سوريا في قدرتھم على العمل إثر متابعتھم عن قرب الغزو الأميركي للعراق وسقوط نظام صدام حسين في عام 2003 وتثبيت الفدرالية إثر ذلك لصالح كرد العراق. وزادت هزيمة نظام صدام من التوترات بين الكرد والعرب في سوريا، مع اتھام عرب كثيرون كرد العراق – وبالتالي كرد سوريا – بدعم الغزو بقيادة الولايات المتحدة للعراق[1]. لم تكن دائرة الاتهام لتطاول الكرد السوريين لولا الوشائج القومية التي تجمعهم داخل المحيط الكردي خارج سوريا (المجال الكردي). وبالتالي، تمّ ربط الصعود الكردي وتطوّر الأحداث في كردستان العراق مع ما قد يطمح إليه الكرد في سوريا، خاصة أن الولايات المتحدة باتت بحكم الأمر الواقع (احتلال العراق) جارة سوريا.

بدورها، تابعت دمشق تطوّر الأحداث في العراق عقب سقوط النظام البعثي الشقيق، ما أدى إلى “تدهور العلاقات بين دمشق والأحزاب الكردية العراقية”[2]. دفعت الأوضاع غير المستقرّة في سوريا بين عامي 2003 و2004 النظام السوري إلى اتخاذ خطوات ترهيبية وانتقامية بحق الكرد في القامشلي، أكبر المدن الكردية السورية، عقب مشاجرات بين مشجعي فريقي الفتوة القادم من دير الزور وفريق الجهاد على خلفية مباراة جرت في 12 مارس/آذار 2004 بالقامشلي، الأمر الذي دفع قوات الأمن السورية إلى إطلاق النار على مشجعي نادي الجهاد بأمر من محافظ الحسكة، سليم كبول، ما أسفر عن استشهاد سبعة أشخاص، جميعهم من الكرد، بينهم ثلاثة أطفال، لتمتد أعمال الاحتجاج إلى جميع أنحاء مدينة القامشلي.

في اليوم التالي لمذبحة الملعب، انضم الآلاف لمواكب التشييع في مقبرة قدور بك. تلى ذلك يومان من التظاهرات الغاضبة والاحتجاجات التي عمّت كل المدن الكردية.

تشير دراسة الحركات الجماهيرية إلى أن المشاركين في الاحتجاجات كانوا “عرضة لدوافع متنوعة ومختلطة مثل الغضب، الشعور بالحرمان، الأمل، اليأس”[3]. مثّلت هذه المشاعر المشتركة الديناميات المحفّزة لانطلاق التظاهرات في المدن الكردية من ديريك في أقصى الشمال الشرقي، إلى كوباني، وصولاً إلى عفرين. وكذلك الأمر في حلب حيث تقطن أغلبية كردية بحيي الشيخ مقصود والأشرفية، ودمشق في حي زور آفا (وادي المشاريع)، كما شملت الاحتجاجات الطلبة الجامعيين الكرد في جامعتي حلب ودمشق.

نجم عن احتكام النظام للعنف والقسوة فرض حصار على مدينة القامشلي واستشهاد 36 مواطناً كردياً وإصابة أكثر من 160 آخرين، واحتجزت الأجهزة الأمنية أكثر من ألفي شخص، وانتشرت تقارير عن تعذيب وإساءة معاملة المحتجزين، ومنهم أطفال ونساء [4].

رأس العين/سري كانيه: الاحتجاج والتعبئة والعنف والنهب

ثمة قابلية لحصول مشكلات بين الجماعات الأهلية السورية، إذ شهدت سوريا خلال السنوات الأولى لتولي بشار الأسد مقاليد الحكم طائفة من المشكلات بين جماعاتها. فبعيد تسلم الأسد الحكم، اندلعت عام 2000 مشاكل في محافظة السويداء بين المزارعين الدروز والعشائر البدوية. وفي حوض الخابور، اندلعت مشكلات بين الآشوريين والعرب عام 2003، كما ستشهد منطقتي القدموس ومصياف مشاكل بين العلويين والاسماعيليين عام 2005 [5]، وهو ما عنى أن إمكانية حصول مشكلات بين الكرد والعرب في الجزيرة السورية بات أقرب للتصوّر، وهو ما تحقق في حالة رأس العين/سري كانيه والحسكة في 2004.

والمعروف عن منطقة رأس العين/سري كانيه أنها تضمّ خليطاً قومياً/إثنياً ودينياً[6]، وإن بنسب سكانيةٍ مختلفة. ولئن كان افتعال المشكلات أمراً سهلاً في مجتمع متعدد، وفي دولة لم تبارح فكرة التعايش إلى حيث ينبغي عليها الوصول إلى دولة الاندماج الاجتماعي بين جماعاتها القومية، فإنّ الأحداث خلال انتفاضة 12 آذار أشارت إلى أن فكرة تعايش المجتمعات الأهلية كانت هشّة للغاية وأن بمقدور أي قوة من خارج رأس العين/سري كانيه افتعال فتن عرقية وتحريض وممارسة التعبئة.

داخل ذلك الجوّ المضطرب، نوّع النظام السوري من وسائل العنف. ففرض الحصار والاعتقال وأعطى أوامر إطلاق النار. ومن جملة ما اعتمدت عليه السلطات الأمنية في المناطق ذات التنوع القومي، جاء تأليب المتعاونين المدنيين معه وتعبئتهم ضد المواطنين الكرد. وبطبيعة الحال، سيكون نطاق التعبئة والتحريض أكثر فاعلية في مدن مثل رأس العين/سري كانيه والحسكة وبدرجة أقل في القامشلي. بذا، ستشهد رأس العين/سري كانيه سريعاً توتراً قومياً لم يسبق للمدينة أن وصلته منذ أن استقرّت الجماعات القومية والقبائل العربية والكردية.

ففي اليومين الأولين لانضمام المدينة للانتفاضة، اختفى التواجد الأمني من رأس العين/سري كانيه. عمّت التظاهرات الشوارع الرئيسية. لم تكن الأوضاع تشير إلى احتمالية اندلاع مواجهات ذات صبغة قومية، ذلك أن التظاهرات حملت على التنديد بعنف النظام ورفعت شعارات تمجّد الشهداء وتدعو إلى الحرية. في اليوم الثالث وبعد هدوء موجة التظاهرات، احتكم النظام إلى سيناريو جديد، غير مألوف، وهو تحريض السكان العرب على القيام بأعمال نهب وتخريب طاولت المحال التجارية وممتلكات الكرد. بذا، شهدت المدينة «بوغروم» حقيقي يشبه نموذجاً مصغّراً لعمليات الفرهود في العراق في أربعينيات القرن الماضي وما تعرّض له يهود بغداد على يد الدهماء. “كانت الغاية من عمليات النهب هو إعطاء الضوء الأخضر للغوغاء لترهيب المجتمع الكردي، والإمعان في زيادة الشرخ بين الكرد والعرب”. [7]

فوق عمليات النهب والتخريب ستشهد المدينة عملية تعبئة وتجييش غير مسبوقين. فتح النظام مخازن أسلحة “الجيش الشعبي” وبدأ بتسليح المدنيين، خاصة البعثيين، الراغبين في “حماية الدولة” من الخطر الكردي. وأثناء عملية توزيع السلاح والتحشّد أمام مبنى المركز الثقافي وشعبة الحزب، سيلقى مواطن عربي مصرعه برصاصة طائشة انطلقت من سلاح أحد المحتشدين، أشيع أن المقتول كان يدعو إلى التهدئة وضبط النفس[8].

“كانت الغاية من إشراك الأجهزة الأمنية للمدنيين في عملية التصدّي لحالة الغضب الكردي هي تجذير الصراع وتصوير التظاهرات على أنها مواجهة كردية عربية”[9]. بذا، سيقطع النظام، أيضاً، الطريق على أي عربيّ قد يرغب في المشاركة في الاحتجاجات الموجّهة أصلاً للنظام.

فُهم من غياب أجهزة الأمن في اليومين الأولين أنه جاء لرفع التصعيد وانتظار أن يخطئ المحتجون الكرد، على الرغم من أن مدينة رأس العين/سري كانيه لم تتعرّض لعمليات تخريب واسعة خلال الاحتجاجات، إذ قدّرت “لجنة تقدير الأضرار” الحكومية، الخسائر التي لحقت بالمنشآت العامة في رأس العين/سري كانيه بمبلغ زهيد لم يتجاوز 2.5 مليون ليرة سورية (حوالى 50 ألف دولار أميركي). ومن جملة ذلك، قدّرت اللجنة الضرر الذي لحق بتمثال الرئيس السابق حافظ الأسد بمبلغ 250 ألف ليرة سورية، فيما قدرت اللجنة الأضرار الواقعة في مدن أخرى بأرقام أكبر، مثلاً: عامودا 56 مليون ليرة، والدرباسية 35 مليون ليرة، القامشلي 70 مليوناً، وديريك 72 مليوناً. وجدير بالملاحظة أن بعض المتظاهرين خلال فترة انكفاء قوات الأمن وتواريها سعوا إلى حماية المنشآت العامة في رأس العين/سري كانيه، وأن بعضاً من هؤلاء خضع للاستجواب والاعتقال[10].

لم تحتسب لجنة تقدير الأضرار الواقعة على ممتلكات المواطنين الكرد. تم نهب وتخريب ما لا يقل عن 40 محلاً تجارياً، يقع معظمها في المنطقة المختلطة قومياً، والواقعة بالقرب من شعبة الحزب وصولاً إلى السوق الرئيسية، وتفرّع شارع الكنائس. واقتصرت عمليات السرقة والنهب والتخريب على محال الكرد التجارية دون غيرها، وكل ذلك حدث بُعيد انفضاض التظاهرات الكردية، مساء يوم 13 مارس/آذار، وتواري الأجهزة الأمنية والشرطة المتعمّد[11].

مناوشات واعتقالات و”شهداء“

المنحى التطوّري الآخر للأحداث تمثّل في اقتتال بين أسرة كردية متحدرة من عائلة إبراهيم باشا الملّي وأفراد من عشيرة محلية، أفضت إلى مقتل نوري محمود خليل إبراهيم باشا (لاحقاً سيقدم فرد من العائلة على قتل ثأر بعد عام). كادت هذه الحادثة أن تأخذ الانقسام إلى حيث الخوض في نزاع أهلي مسلّح. وبطبيعة الحال، ستضمّ الحركة الوطنية الكردية نوري الباشا إلى قافلة “شهداء آذار 2004″، ثم ستضيف جماعات حقوق الإنسان والحركة الكردية إلى القائمة أحمد كنجو، وهو من كرد رأس العين/سري كانيه تعرّض لتعذيب مبرح وتوفي بتاريخ الثالث من أغسطس/آب 2004 بعد أن تفاقمت حالته الصحية على خلفية تعذيبه في الأقبية الأمنية[12].

إلى جانب هذين الشخصين، سيضيف المجلس المحلي للمجلس الوطني الكردي في ( رأس العين/سري كانيه) اسم عبدالباقي يوسف حسن إلى قائمة الشهداء على الرغم من أنه توفي بتاريخ 8 فبراير/شباط 2016، ذلك أن حسن كان اعتقل في الانتفاضة وخرج بعد أن فقد قواه العقلية «جرّاء التعذيب الوحشي الذي تعرّض له طيلة ثلاثة أيام متتالية على يد عناصر مفرزة أمن الدولة في المدينة»[13].

دفعت حالة الغليان النظام ومواليه والمتعاونين معه، لاسيما البعثيين، للقيام بتظاهرات مضادة. وبالفعل، توجّهت تلك المظاهرات إلى تخوم الأحياء الكردية، ولولا سماع أصوات أعيرة نارية أدت إلى تراجع المجموعات المؤيدة للنظام، لكان من المحتمل أن تتفاقم الأوضاع لاشتباكات بين الجماعتين القوميتين[14].

عاشت المدينة حالة التمزّق الاجتماعي طويلاً، إذ لم يعد الكرد إلى محالهم المنهوبة والمخرّبة إلا بعد حوالي شهرين على الأحداث. في الوقت ذاته، كان تنصيب بعض المواطنين المدنيين شهوداً في التحقيقات والمحاكمات التي أقيمت على عجل بحق المعتقلين الكرد استكمالاً لفكرة تمزيق النسيج الاجتماعي في رأس العين/سري كانيه وضرب القوميات ببعضها. واللافت أن بعض المعتقلين لم يكونوا في المدينة أو لم يشاركوا في التظاهرات، وهو ما عنى أن القوائم كتبت بناءً على وشايات السكان المحليين أو بتوجيه أمنيّ.

ثمة مفارقة فيما خص “المتعاونون المدنيون” مع النظام في مواجهة الانتفاضة الكردية في رأس العين/سري كانيه، وهي أن معظم من وقف مع النظام في 2004 سينتقل إلى ضفة المعارضة المسلحة العام 2012، كما في حالة ع.ف[15]، بل سيخوض بعضهم في القتال الرئيسي بين المجموعات المسلحة المعارضة وبين العناصر الأمنية في البلدة، فيما التزم الكرد الذين تأذّوا في 2004 الحياد وعدم اللجوء للسلاح. وأبعد من ذلك، سيقوم سكان محلّيون كرد بدفن جثث عناصر قوات الأمن السورية بعد أن رمتها عناصر “الجيش الحر” في عرض الشارع.

ولعل معركة رأس العين/سري كانيه التي شنتها فصائل “الجيش الحر” وجبهة النصرة بإسناد تركيّ، ستكشف مرة أخرى مقدار هشاشة المجتمع الأهلي في رأس العين/سري كانيه وقدرة القوى التي من خارج المنطقة على التحريض والتقسيم. وإذا كان النظام السوري اضطلع بمهمّة التأليب والتحريض عام 2004، فإن أصابع تركيا ستبرز في معارك 2012.

الفصل الثاني: 2012/2013 – القتال من أجل رأس العين/سري كانيه

مع التحوّل العميق نحو العسكرة وتشكّل الفصائل المسلّحة وانقضاء زمن الاحتجاجات السلمية التي بدأت في 2011 ضد نظام بشار الأسد، ستشهد سوريا بداية حرب أهلية. دفعت تركيا بفصائل “الجيش الحر” والمجموعات الجهادية إلى رأس العين/سري كانيه بغرض استنزاف المناطق الكردية ودفعها للانخراط في المجهود العسكري ضد نظام الأسد، وكذلك لأجل ألّا يفضي تراجع حضور النظام في المناطق الكردية، وما يشكّله من فراغ، إلى بروز مشروع لإدارة المناطق الكردية. وعلى الرغم مما يشكّله ذلك من تجسيدٍ سريع لفكرة الحرب الأهلية، ذلك أن التركيب الإثني في الجزيرة السورية سيساهم في وصم الأعمال العسكرية بأنها جزء من حرب أهلية موصوفة، خاصة أن اختيار مدينة رأس العين/سري كانيه ذات التركيبة القومية المتنوّعة سيؤكّد على أن سوريا تتجه نحو حرب تتجاوز شعار إسقاط النظام إلى معارك فرض إرادات متولّدة من نزعة شوفينية سبق وأن ظهرت في فترة الانتفاضة الكردية عام 2004.

مرحلة التمهيد وتهيئة الأرضية

قبل أن تشرع فصائل “الجيش الحر” والجماعات الجهادية (جبهة النصرة، غرباء الشام، ألوية أحفاد الرسول) في عملية السيطرة على رأس العين/سري كانيه، جرت تحضيرات لوجستية وعملية تواصل وإيجاد خلايا نائمة تنتظر ساعة الصفر. بعض أولئك الذين مهّدوا الطريق لـ”الجيش الحر” كانوا  قد فرّوا خلال أعمال المداهمة التي قامت بها القوات الأمنية السورية إلى مناطق سيطرة “الجيش الحر” وتواجد البعض منهم في مركدة وتل أبيض ومنبج وريف حلب الشمالي أو في بلدة سري كانيه/ جيلان بينار في الجانب التركي المتاخمة للحدود مع رأس العين/سري كانيه. بقي البعض الآخر ينتظر داخل المدينة، ويحشد باتجاه فكرة قتال قوات النظام وتهيئة الأرضية[16].

لكن، على الرغم من عدم مشاركة جبهة النصرة في المعركة الأولى ومحاصرة قوات النظام داخل المدينة في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، فإنها أوفدت في وقت سابق ثلاثة من قيادييها على أنهم مدنيين إلى رأس العين/سري كانيه لمقابلة بعض النشطاء ضد النظام بشكل سرّي، قبل المواجهة بشهرين تقريباً. كان بين الموفدين أبو ذر العراقي، وأبو أسد من غويران في الحسكة، وأبو أحمد الطائي [17]. وبطبيعة الحال، بقيت الاتصالات جارية بين مقاتلي «الجيش الحر» وبين نشطاء في المدينة. ولم يقتصر التواصل على جبهة النصرة، إذ حظيت شخصية مثل نواف راغب البشير متزعم مليشيا “جبهة تحرير الجزيرة والفرات” وبوصفه زعيمياً قبلياً (شيخ عشيرة البقارة العربية)، بعلاقات وصلات مع المجتمع المحلّي. فضلاً عن أن العلاقات التي ربطت الفصائل المحلية (العشائرية) التي تأسست في تل أبيض بأقاربها في رأس العين/سري كانيه ساهمت في إنماء ظاهرة الخلايا داخل المدينة وزيادة عديد مقاتليها بعيد دخول المدينة.

بدء العملية العسكرية وسير المعارك

في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، دخل الجيش الحر مدينة رأس العين/سري كانيه، وخاض مواجهة مباشرة مع قوات النظام قليلة العدد داخل المدينة. ونتيجة للاشتباكات، قتل 20 جندياً من قوات النظام السوري. وبطبيعة الحال، سيفرّ نحو 8000 من أبناء المدينة إلى سري كانيه/جيلان بينار في الجانب التركي والمتاخمة لرأس العين/سري كانيه، وتم نقل معظمهم إلى مخيم أقجا قلعة بالقرب من الحدود[18]. من جهة أخرى، انتاب السكان المدنيون القلق والخوف مما قد يتبع سيطرة فصائل المعارضة المسلّحة على المدينة من معارك وقصف بشكل مستمر، أسوةً بسابقاتها من المدن السورية التي دخلت إليها فصائل المعارضة المسلّحة، والتي كانت أوّلى من رأس العين/سري كانيه بمؤازرة فصائل المعارضة المسلّحة، بحسب سكان المدينة، الذين كان موقف أغلبهم هو أنّ المنطقة لا تقبل أي قوى عسكرية وأنّ النضال فيها مُقتصر على مبدأ سلمي[19]. خلال سير الأعمال القتالية، ألقى “الجيش الحر” القبض على 20 – 25 أسيراً من قوات النظام في مبنيي الجمارك والأمن العسكري، لم يعرف مصير العديد منهم لاحقاً[20].

قبل نشوب المعارك، كانت آخر نقطة وصلت إليها قوات المعارضة المسلحة هي قرية المبروكة بريف رأس العين/سري كانيه الجنوبي. وكانت منبج خرجت عن سيطرة النظام وتشكّلت فيها فصائل. وحصلت الحالة ذاتها في تل أبيض. ولأن أعمال النهب بدأت تطاول منطقة تل أبيض، سارعت بعض العشائر إلى تشكيل فصائلها المحلية التي سيكون لها دور في عملية السيطرة على رأس العين/سري كانيه. وفي تلك الأثناء، سيطرت جبهة النصرة على عقدة مواصلات بالقرب من بير محيسن التي تربط تل أبيض بمفرق سلوك (بالقرب من بلدة سلوك 20 كيلومتر شرق تل أبيض) والحدود  مع تركيا، فيما سيطرت على قاعدة للنظام على الطريق الممتدة من تل أبيض إلى كوباني وعين العروس، وهو ما عكس استراتيجية الجبهة في السيطرة على عقد المواصلات، قبل مشاركتها اللاحقة في معارك رأس العين/سري كانيه.

أشرف الأتراك على سير العملية، على الرغم من أن تركيا لم تكن وقتذاك تصرّح بعدائها للكرد، إذ كانت تعيش لحظات عملية الحل، عملية سلام كردية تركية منذ ربيع عام 2012، إلّا أنها كانت تقلق من إنكفاء النظام في المنطقة وتنامي الحضور الكردي؛ فأبقت اتصالاتها مع فصائل “الجيش الحر” وموّنتها بالسلاح، على الرغم من أنها حاولت أن تبعد الشبهات عن دورها اللوجستي والعملياتي خلال المراحل الأولى. وكذلك تواصلت مع الفصائل الجهادية، كما في تواصلها مع “غرباء الشام” و”لواء الأمة” المموّل من دولة خليجية[21]. وكجزء من إبعاد الشبهات، وجّهت تركيا دخول “الجيش الحر” القادم من تل أبيض ومنبج وريف حلب الشمالي، وتجنّب الاشتباكات مع قوات النظام في حاجز قرية تل حلف التي تبعد 5 كم جنوب رأس العين/سرى كانيه، وقطعة عسكرية أخرى تابعة للنظام كانت ترابط في مزرعة أصفر نجار المقابلة لقرية تل حلف شرقاً، في حين دخل قسم آخر عن طريق تركيا.

بدأت المواجهة يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني الساعة الرابعة والنصف فجراً. وسيطرت الفصائل قبل الاشتباك على ثلاث مناطق داخل المدينة: نزلة صابر وبناية الري ومقبرةالمدينة. ليبدأ الهجوم الأوّلي على مخفر البلدة. كانت كلمة السر بين المجموعات والأفراد الموالين لها هي “القارعة”. واعتقل مقاتلو “الجيش الحر| كل مسلّح من أبناء المدينة لم يكن يعرف كلمة السر تلك، وأطلق سراحهم لاحقاً بعد التحقّق من موالاتهم.

بلغ عدد العناصر المشاركة في المعركة حوالى 300 مسلّح. ووصل عديد الفصائل إلى 50 فصيلاً. لكن الرقم الفعلي سيزداد مع التحاق أبناء المدينة بالفصائل والانضواء تحت لوائها. ضمّت الفصائل المشاركة في داخلها فصائل أصغر، مثلاً كانت “كتيبة الفاروق” تضم مجموعة فصائل صغرى.

في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، شن الجيش السوري هجوماً بالمدفعية الثقيلة والمروحيات، ما أسفر عن سقوط ضحايا مدنيين في أحياء المحطة وبالقرب من المعبر الحدودي بين سوريا وتركيا[22]. بلغ عدد القتلى ما لا يقل عن 16 شخصا في البلدة[23]. لكن الهجمات الحكومية سرعان ما انتهت بعد أن فقدت جدواها لعدم وجود عناصر تابعة له على الأرض، تاركة بذلك المدينة لمصيرها.

سيطرت الفصائل المسلحة وجبهة النصرة و”غرباء الشام” على الدوائر الحكومية والمقرات الأمنية وبسطت سيطرتها على معظم الأحياء، باستثناء الأحياء الكردية الشرقية وحاجز الصناعة الذي تمركزت فيه وحدات حماية الشعب، فيما بدأت مرحلة المعركة على القطعة العسكرية التابعة للجيش السوري في أصفر ونجار واستمرّت أربعة أيام. وعلى طول أيام المواجهة، وجدت وحدات حماية الشعب أن صيغة النأي بالنفس أفضل من الانخراط في المعارك أو الانحياز لأيّ من طرفيه، لكنها ستدفع سريعاً في 19 نوفمبر/تشرين الثاني إلى مواجهة حتمية بدأتها جبهة النصرة و”غرباء الشام” وبتحريض تركي.

وحدات حماية الشعب: نحو مواجهة حتمية

برزت فكرة تأسيس وحدات حماية الشعب عام 2004 عقب الانتفاضة الكردية[24]. وقتذاك، دفع عنف النظام المفرط بعض الأصوات الكردية إلى الدعوة لتبنّي إنشاء مثل هذه القوّة. غير أن الظهور الحقيقي للوحدات جاء عقب تحوّل الثورة السورية إلى تمرّد مسلّح بين ما سيسمّى “الجيش الحر” وقوات النظام السوري. مطلع عام 2012، جاء إحياء فكرة تأسيس الوحدات، إذ أن الفكرة طرحها “الشهيد خبات[25] ومجموعة من الرفاق من أصحاب الخبرة العسكرية، وذلك بتشكيل قوة عسكرية مهمتها الدفاع وحماية مناطقنا” [26]

أطلق على هذه القوة الكردية، مطلع الأمر، اسم “وحدات الحماية الذاتية” ليصبح لاحقاً الاسم وحدات حماية الشعب بعد المؤتمر الذي عُقد في مدينة ديريك. بحلول ديسمبر/كانون الأول 2012، توسعت القوات فأصبحت تضم ثمانية ألوية[27]. وتزامن اتساع الوحدات مع إعلان عن “الهيئة الكردية العليا” الذي جمع المجلس الوطني الكردي وحركة المجتمع الديمقراطي في كيان سياسي واحد.

في البدايات لم تكن الوحدات تمتلك السلاح والمال الكافي لتطوير مشروعها، إذ اعتمدت على مساعدات المواطنين الكرد والتجار. بذا، سيتبرّع مواطنون كرد بأسلحتهم وسيقدّمون سياراتهم للمقاتلات والمقاتلين. وفق تلك الإمكانيات الضعيفة آنذاك لم تكن القوى السورية تأخذ ما تقوم به الوحدات على محمل الجد، بل إن أوساطاً سياسية كردية كانت تشكك بجدارة وإمكانية تلك القوة الناشئة، إلّا أن المعارك التي خاضتها الوحدات في رأس العين/سري كانيه طوّبتها قوّة محليّة سيتم التعويل عليها لاحقاً في حماية المنطقة الكردية، وعدم الانجرار إلى الحرب ذات المنحى الطائفي مع انتشار الجماعات الجهادية في سوريا.

أولى اشتباكات الوحدات حصلت في حي الأشرفية ذي الغالبية الكردية بحلب عندما واجهت كتائب تتحرك تحت اسم “الجيش الحر”، وكذلك اشتباكات بين الوحدات وبعض ضباط الجيش السوري في كوباني في يوليو/تموز 2012 لتسيطر القوات الكردية على منطقة كوباني، إلّا أن هذه الأعمال لم ترقَ إلى مستوى معارك الوحدات في رأس العين/سري كانيه. أثبتت الوحدات أنها القوة الكردية الوحيدة القادرة على مقاومة المسلحين الإسلاميين المتشددين[28]. ولئن كانت معركة رأس العين/سري كانيه والانتصار على جبهة النصرة (تنظيم القاعدة) رفعت وحدات حماية الشعب بين عامي 2012 و2013 لأن يكون طرفاً سورياً مسلّحاً وازناً، فإن معركة كوباني وانتصار الوحدات على تنظيم داعش نهاية عام 2014 وضعت هذه القوّة المحلية على سكة التحالف مع أكبر قوة عسكرية في العالم: الولايات المتحدة، الأمر الذي لن يمرّ من دون ملاحظة تركيا ومراقبتها لهذه القوة التي يشكّل الكرد فيها العمود الفقري.

من الحياد إلى المواجهة

واقعياً كانت أول معركة رسمية ومصيرية، بمعزل عن الاشتباكات التي حصلت في الأشرفية وكوباني قليلة الأثر، هي تلك التي خاضتها الوحدات  “عندما هاجمتها [جبهةالنصرة] وعشرات الكتائب العاملة تحت مسمى الجيش الحر، وحينها اكتفت الوحدات بحماية المدنيين دون المهاجمة، إلّا أنه بعد سيطرة جبهة النصرة على مراكز تواجد النظام عمدت إلى التوسّع ومحاولة السيطرة على الأحياء التي يتواجد فيها المدنيون وخاصة الأحياء الكردية، عندها بادرات الوحدات إلى التصدي لها والدخول في اشتباكات فعلية، ومنذ ذلك الحين بدأت الوحدات بخوض المعارك وحماية الشعب..”[29]، وترافقاً مع بدء المواجهة في رأس العين/سري كانيه سارعت وحدات حماية الشعب إلى السيطرة على مراكز المدن في الدرباسية وتل تمر[30] مع سيطرة “الجيش الحر” والمجموعات الجهادية على رأس العين/سري كانيه، سدّاً لذرائع هاتين القوتين في سعيها قتال قوات النظام والسيطرة على مراكز تواجد النظام في الشريط الحدودي بمحافظة الحسكة، وبالتالي إطباق السيطرة على المنطقة الكردية تباعاً.

أولى المواجهات جرت ليلة 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، إذ شن “الجيش الحر” وجبهة النصرة و”غرباء الشام” هجوماً على نقطة تفتيش تابعة لوحدات حماية الشعب بالقرب من منطقة الصناعة (حاجز الصناعة).

عقد ليلة الهجوم اجتماع جمع كل الفصائل المسلحة في منزل أحد المحامين في رأس العين/سري كانيه، وبحضور “مجلس الحسكة العسكري” وبحضور ضبّاط منشقين بينهم ضابط برتبة عميد وآخر برتبة عقيد، فيما تصدّر الاجتماع المدعو ماجد عبدالله (أبو أسد) متزعّم جبهة النصرة، الذي أصرّ على عدم التفاوض بشأن الحاجز التابع للوحدات، عازماً على “إزالة الحاجز الكردي بالقوّة”. كان الأتراك يعوّلون على الهجوم وعلى أبو أسد في نجاح هجومه، خاصة أن متزعم الجبهة في المدينة يحمل ضغينة تجاه الكرد[31].

في الصباح الباكر، توجّه رتل عسكري مؤلف من سبع عربات محمّلة بأسلحة فيما كانت عربة منها مزودة بمضاد طيران عيار 23 ملم. وعلى الرغم من القوّة النارية للمهاجمين، إلّا أنهم اصطدموا بدفاع فاق توقّعهم، فأسفرت المواجهة عن مقتل 29 مقاتلاً من القوات المهاجمة، فيما فقدت الوحدات أربعة مقاتلين[32]، إضافة إلى إقدام القوى المهاجمة إلى اغتيال عابد خليل، وهو مدني ورئيس المجلس المحلي لحزب الاتحاد الديمقراطي، إثر إصابته برصاص قناصة من مسلحي الكتائب المقاتلة في المدينة[33].

أثار الهجوم موجة ردود أفعال لاحقة. ندد رياض الأسعد، قائد “الجيش الحر” بالهجوم، وأرجع العنف إلى “بعض الجماعات التي تحاول استغلال الوضع لتفجير العلاقات بين الأكراد والعرب”، نافياً أي ارتباط بين “الجيش الحر” و”غرباء الشام”[34]، غير أن تنديد الأسعد لم يكن له تأثير على الأرض حتى على العناصر التي يفترض أنها تتبع له، إذ ستتكرّر المواجهات وعلى نحو أشد في الأيام المقبلة.

ولغرض سحب الجثث ووقف إطلاق النار، تواصل المتزعّم الجديد لجبهة النصرة أبو الليث الكردي[35]، بدلاً من أبو أسد الذي قتل في الاشتباكات، مع أعيان في رأس العين/سري كانيه. وعلى الفور، تمّ التوصّل لوقف إطلاق نار. شارك في التفاوض من الجبهة أبو ذر العراقي وأبو اليمان الأردني واللذين كانا مقنّعين، وكشفا عن وجهيهما لاحقاً أثناء لقاء قيادة الوحدات. وتم التوصل إلى نقطتين: الموافقة على سحب الجثث، فيما رفضت الوحدات إعادة السلاح المصادر واقترحت التعويض عليه [36]، كانت مسألة عدم إعادة السلاح مرتبطة بمسألتين: مبدأ الوحدات في عدم إعادة سلاح قد يستعمل ضدها لاحقاً، وحاجة الوحدات تالياً إلى السلاح على ما كشفته بدايات الإعلان القريب من موعد المواجهة في رأس العين/سري كانيه حيث الحاجة للسلاح والمركبات والموارد.

كانت خسارة جبهة النصرة كبيرة قياساً إلى عديد قواتها المرابطة في رأس العين/سري كانيه ومعسكري التنظيم المقامين في أراضي الشركة الليبية السورية، إذ كانت قوّتها تبلغ 60 إلى 70 مقاتلاً. إلا أن قوّة التنظيم إنما نبعت من كثافة تواجد “المهاجرين “[37] أي العناصر الأجانب من أصحاب الخبرة القتالية والعمق العقائدي. علىى الرغم من ذلك، لم تكن الهدنة إلّا لغاية التقاط الأنفاس بالنسبة لها والأطراف الأخرى، على ما أشارت إليه بقية المواجهات المتواترة.

معارك وهدنات هشّة ووساطات وتدخّل تركي

لم تصمد الهدنة طويلاً أمام الضغوط التركية لحثّ الفصائل لاستئناف قتال الوحدات الكردية. مجدداً، عاودت الفصائل القتال. تصدّرتها هذه المرة “غرباء الشام” وجبهة النصرة، وبالاعتماد على الأسلحة الثقيلة. ففي 22 نوفمبر/تشرين الثاني، استقدمت جبهة النصرة 200 مقاتل و”غرباء الشام” 100 مقاتل وثلاث دبابات كانت استولت عليها خلال اشتباكات في محافظة الرقة. ونشرت دبابة عند المعبر الحدوي ودبابتين جنوب المدينة. كما وصل نحو 400 مقاتل كردي الى المدينة من المناطق الكردية في سوريا[38]. وبطبيعة الحال، أسفرت مقاومة الوحدات عن انضمام مقاتلين جدد من أبناء المدينة لصفوف الوحدات، ما مهد لظهور حاضنة متماسكة تسعى للحفاظ على الوجود الكردي في المدينة والحفاظ على الأحياء الكردية.

في 22 نوفمبر/تشرين الثاني، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن ثمانية من أعضاء جبهة النصرة ومقاتل واحد من وحدات حماية الشعب لقوا حتفهم في القتال من أجل رأس العين/سري كانيه[39]، ليصل الطرفان إلى هدنة هشة أخرى استمرت حتى 6 ديسمبر عندما اندلعت الاشتباكات مجدداً.

وسط هذا الجو المشحون، أقدم الطيران السوري على قصف مخفر الشرطة ومكتب البريد في منطقة المحطة، ما أسفر عن مقتل 12 شخصاً بينهم ستة مدنيين كرد ثلاثة منهم أطفال، فيما نقلت سيارات الاسعاف التركية 21 جريحاً إلى بلدة سرى كانيه/جيلان بينار على الجانب الآخر من الحدود.

وفي أعقاب ذلك، انطلقت عدة طائرات مقاتلة تركية من طراز إف – 16 من مقرها في ديار بكر رداً على الضربات الجوية السورية[40]، الأمر الذي تسبب في تحجيم دور سلاح الجو السوري على مسرح الأحداث فيما بعد.

في الأيام الثلاثة، من 12 إلى 14 ديسمبر/كانون الأول، شن مسلحو المعارضة سلسلة من الهجمات الصاروخية على البلدة. وأفيد أنهم حاولوا أيضاً توسيع القتال إلى البلدات والقرى المجاورة وفشلوا في ذلك[41]، خاصةً القرى الشرقية التي حاولوا من خلال السيطرة عليها إطباق الحصار على مناطق تواجد الوحدات.

غير أن يوم 15 ديسمبر/كانون الأول سيشهد تجدد المفاوضات لأجل وقف إطلاق النار. وبالفعل، تم التوصّل إلى وقف إطلاق نار أولي، إذا استثنيا أول عملية وقف إطلاق نار ليلة 19 نوفمبر/تشرين الثاني، إذ وصفت الوحدات تلك الهدنة بالعمل الإنساني لأجل انتشال جثث مقاتلي المعارضة. بدأ سريان الاتفاق يوم 17 ديسمبر/كانون الأول، على أن الشروط جاءت في معظمها وفقاً لمطالب الوحدات، مثل انسحاب الجانبين من المدينة، وتشكيل مجلس مدني يضم الكرد والعرب والشيشان والسريان[42]. إلّا أن وقف إطلاق النار الذي تحقق لم يحقق النقاط التي اتفق عليها.

تجددت الاشتباكات على هدي الانتصارات التي حققتها الوحدات. ولم يكن للهدنة أن توقف المعارك التي بدأت بالقرب من المشفى الوطني، وهو بناء محصّن تصعب السيطرة عليه، إضافة إلى منطقة حيوية تسمى بشارع مدير المنطقة. ولئن كان الانضمام إلى صفوف الوحدات تنامى، لتضم الوحدات الأفراد ومحازبي بعض الأحزاب الكردية السورية، فإن الحزب الديمقراطي التقدمي بدوره شارك بمجموعة من رفاقه في القتال الدائر. وفي 24 ديسمبر/كانون الأول، سيتعرّض العنصر في هذا الحزب، علاء قاسم، إلى رصاصة قناصة أصابته بجروح بليغة ولتعلنه الوحدات ورفاقه في الحزب شهيداً يوم الثاني من فبراير/شباط 2013[43].

وعلى الرغم من حركة الإنضمام المضطردة إلى صفوف الوحدات والإبقاء على الطابع المركزي لنشاط الوحدات، بقي المجلس الوطني الكردي محايداً في مسألة الانضمام إلى القتال، ما أدى إلى تراجع شعبيته داخل رأس العين/سري كانيه.

عودة قوية إلى السلاح

داخل هذا الوضع الأمني الهش، والتشكيك المستمر بين الجهتين، تنامى حضور الوحدات في المدينة كطرفٍ قادر على تحقيق الانتصارات، فيما ساءت علاقة فصائل “الجيش الحر” مع المدنيين لجهة عمليات السرقة والنهب التي قاموا بها التي طاولت معدات المشفى الوطني وغلال الحبوب (الصوامع) وحتى أجهزة الكمبيوتر القديمة وزهيدة الثمن في المدارس، ما دفع تركيا إلى الاعتماد بدرجة أكبر على الفصائل الجهادية (النصرة وغرباء الشام). كان لفساد فصائل “الجيش الحر” دور في ذلك، إذ موّنت تركيا عبر سيارات الإسعاف المقاتلين بالأسلحة اللازمة لخوض معارك طويلة، إلّا أن الفصائل كانت تطالب بالمزيد الأمر الذي كشف بيع عناصر “الجيش الحر” الأسلحة في السوق السوداء وإلى هدر الذخائر واعتبار الحرب سبيلاً للتربّح[44]،فيما أفاد مقاتل منضوي في صفوف الوحدات من أبناء المدينة عن سياسة الإدخار في الذخائر من جانب قوّاتهم. وفي وقتٍ بدأ الإعلام يهتم بالقوة الكردية الناهضة، صرّح القائد العسكري لوحدات حماية الشعب جمشيد أوصمان في معرض سؤاله عن عديد قوّاته وسبب تقدّمهم على الأرض بالقول: “قليلون حيث لا يرانا أحد، وكثيرون حيث تجدوننا في كل مكان” [45].

في 17 يناير/كانون الثاني، بدأت مرحلة الحسم. أفيد بأن نحو 300 من مقاتلي المتمردين عبروا إلى رأس العين/سري كانيه فجر اليوم من الحدود السورية/التركية، وأن اشتباكاتٍ عنيفة بين المتمردين والقوات الكردية جارية وأن “الجيش الحر” بدأ باستخدام المدفعية والدبابات[46]. نجحت الوحدات في الاستيلاء على إحدى الدبابات التي دخلت عبر الحدود التركية باتجاه منطقة الخرابات[47]، فيما أدت حصيلة الاشتباكات خلال الشهر  إلى مقتل حوالى 54 جهادياً ومقاتلاً في الفصائل، وفقدان ثمانية مقاتلين من الوحدات لحياتهم، في حين قتل حوالى خمسة مدنيين بينهم أحمد شيخ سنان الذي تعرّض للتعذيب والقتل على يد عناصر “الجيش الحر” في 30 يناير/كانون الثاني.

نتج عن الاشتباكات تقدّم للوحدات باتجاه شارع مدير المنطقة ومنطقة الكنائس، وأخرجت الوحدات والفصائل الجهادية من كنيسة السريان الأرثوذوكس (مدرسة قطف الزهور)، والتمكّن تالياً من السيطرة على المناطق المرتفعة في البلدة. ونظراً لتقدّم الوحدات والهزائم التي عصفت بالجهاديين والفصائل، بحثت الأطراف السياسية في المعارضة عن حلول للخروج من أوحال الحرب في رأس العين/سري كانيه، ومرة أخرى عبر الهدنة والاتفاق على وقف إطلاق النار.

  • الهدنة الأخيرة ومرحلة انتصار الوحدات

في 20 يناير/كانون الثاني 2013، وصف المجلس الوطني الكردي في بيان ما تمرّ به رأس العين/سري كانيه بأنه “فتنة” على الرغم من أن المعارك أفصحت أنه اقتتال بين جهاديين عابرين للحدود وتقف خلفهم تركيا وبين الكرد في رأس العين/سري كانيه. وبالتالي، لم يف مفهوم الفتنة بين أبناء البلد الواحد المستخدم في أدبيات المجلس بالغرض، فيما تجنّب المجلس الإشارة إلى دور تركيا في الإسناد والدعم واستمرار المعارك، وألصق بالتالي المجلس “الفتنة” نظام السوري من خلال الدعوة إلى “تفويت الفرصة على النظام السوري وعملائه، وقطع الطريق على الفتنة”. وبدا موقف “هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي” أكثر وضوحاً حين دعت المجتمع الدولي للضغط على تركيا لمنع نقل الإرهاب إلى الأراضي السورية، معربةً عن إدانتها “للهجمات التي تستهدف المدنيين في مدينة رأس العين/سري كانيه بمحافظة الحسكة”.

أبعد من ذلك، كان بيان هيئة التنسيق يشرح طبيعة ما وصلت إليه الأمور بدرجة أوضح مما كان المجلس الكردي أو الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة يقومان به، “يتعرض أهلنا في رأس العين/سري كانيه (سري كانية) منذ مدة إلى هجمة مسلحة مشبوهة من خارج الحدود السورية ومن داخلها متعددة التفاصيل والأدوات، زادت حدتها منذ السادس عشر من الشهر الحالي مواكبة لبيانات بغيضة وغير مسؤولة ليس لها من هدف سوى شق الصف الوطني والنسيج الاجتماعي المكون لديموغرافية المنطقة (..) حيث قامت بها بعض الكتائب والفصائل التي تدعي أنها ذراع للثورة السورية ككتيبة ما يعرف بأحرار الأمة، وأحرار غويران، وكتيبة مشعل تمو، وغرباء الشام، وأحفاد الرسول، وأبناء سعد بن أبي وقاص بالإضافة لقوات تابعة للمجلس العسكري للجيش الحر، (..) إذ نفذوا فرادى ومجتمعين هجمات متعددة على المدنيين العزل وعلى مؤسسات الدولة الخالية من أي تمثيل للنظام والتي هي أساساً ملك للشعب، كما أجبرت أغلبية أهالي المدينة على النزوح وترك بيوتهم وأملاكهم التي نهبت وسرقت من الكتائب المذكورة، ما أجبر وحدات الحماية الشعب (YPG) الرد على هذه الهجمات دفاعاً عن أهل المنطقة ومكونها الاجتماعي المتنوع القوميات والأديان”[48].

بدوره، أعلن الائتلاف في 23 يناير/كانون الثاني أنه شكل لجنة بدأت بالتواصل مع جميع القوى ووجهاء منطقة رأس العين/سري كانيه “من أجل تجنيبها الوقوع في فخ مخططات نظام الإجرام”.[49]. استخدم الائتلاف مجدداً مفردات “الفتنة” وأن القتال هو من قبيل “الصراعات البينية” من دون الإشارة إلى دور تركيا والجماعات الجهادية بخاصة المقاتلين الأجانب.

في أوائل فبراير/شباط، شكل أعضاء المعارضة السورية لجنة مؤلفة من ثمانية أعضاء للعمل كوسيط بين وحدات حماية الشعب  (YPG)والمتمردين “اللجنة الوطنية لحماية السلم الاجتماعي والثورة”[50]. أشرف السياسي السوري المعارض ميشيل كيلو على العديد من الجلسات الرامية إلى وقف القتال وإطلاق النار. كادت المفاوضات أن تفشل مع إصرار “المجلس العسكري الثوري” التابع لـ”الجيش الحر” تسليم البلدة والمعبر الحدودي إلى السيطرة السياسية الوحيدة للمجلس الوطني السوري، واعتبار المقاتلين المنتسبين إلى “الجيش الحر” القوة الوحيدة التي تمارس السيطرة العسكرية في البلدة، وأن يذعن حزب الاتحاد الديمقراطي إلى المجلس الوطني السوري كقوة “حاكمة شرعية وحيدة” في المنطقة، وأن يمنع “عرض الأعلام الكردية” في محافظة الحسكة[51]. بدا الموقف من قصة الأعلام الكردية موقفاً شوفينياً متصلّباً، إذ سبق لمقاتلي المعارضة مطلع سيطرتهم على رأس العين/سري كانيه إلى إهانة مجموعة شباب كرد كانوا يحملون علماً كردياً، بعضهم يتبع للمجلس الوطني الكردي، من خلال رمي المقاتلين العلم أرضاً، ما كشف الغايات المبكّرة للقوى المهاجمة التي ستتجاوز أهدافها قتال قوات النظام إلى حكم المناطق الكردية ورفض مظاهر التحرر من الاستبداد بما في ذلك رفع الأعلام الكردية.

ورفض المفاوضون الكرد رفضاً قاطعاً هذه الشروط، واقترحوا بدلاً من ذلك أن يغادر المقاتلون من كلا الطرفين المدينة ونقل إدارتها إلى مجلس مشترك يضم ممثلين سياسيين من الجانبين، وهو ما تم الاتفاق عليه لاحقاً، وإن كان الاتفاق يسري على “الجيش الحر” ، ولم يقيّد جبهة النصرة و”غرباء الشام” اللذين كانا يتوصلان إلى هدناتهما الخاصة. وبطبيعة الحال سيقوّض “الجيش الحر” وأحد قادته، سليم إدريس، الاتفاق، الأمر الذي سيؤدي إلى تجدد القتال[52].

في نهاية المطاف، استمرت الأعمال القتالية، وفقدت فصائل المعارضة والجهاديين الأمل في تبديل الواقع الذي فرضته وحدات حماية الشعب (YPG)؛ ففي 17 يوليو/تموز، ستشهد رأس العين/سري كانيه مرحلةً جديدة مع طرد كافة مقاتلي المعارضة البلدة، بعد ليلة طويلة من القتال أفضت إلى مقتل تسعة جهاديين، وفقدان مقاتلين من الوحدات لحياتهم[53]، وتمكّن الوحدات من إطباق السيطرة على البلدة وتحريرها، وصولاً إلى المعبر الحدودي بين سوريا وتركيا.

في نتائج معركة رأس العين/سري كانيه الأولى

أفضت معركة رأس العين/سري كانيه الأولى إلى صعود وحدات حماية الشعب  (YPG)، والتعويل عليها في حماية المنطقة الكردية على ما تمتّعت به من كفاءة قتالية ومركزية قرار. في مقابل ذلك، تراكمت الشكوك حول مصداقية وأهداف “الجيش الحر” والجماعات الجهادية والدور التركي الداعم لهما والرامي إلى تقويض استقرار المنطقة الكردية وضرب السلم الأهلي فيها وإشعال التوترات القومية، بشكل شبيه، وإن أكثر حدّة، لما جرى في عام 2004 إبان الانتفاضة الكردية. أوقف التصدي للجماعات الجهادية و”الجيش الحر”  مسار الزحف تجاه بقية المناطق في الجزيرة السورية، إذ وصفت رأس العين/سري كانيه بأنها “بوابة الجزيرة”، فضلاً عن أن سيطرة المعارضة المسلحة والجهاديين عليها كان سيفضي إلى تنامي الصراعات ذات الطابع العرقي في بقية المناطق التي تشهد اختلاطاً إثنياً، لاسيما في الحسكة والقامشلي.

انضوت رأس العين/سري كانيه في إطار الإدارة الذاتية الديمقراطية التي أُعلن عنها في 21 يناير/كانون الثاني 2012، إلى حين احتلال تركيا لمنطقة رأس العين/سري كانيه وتل أبيض أواخر عام 2019. ولئن كانت الغاية من المعارك في رأس العين/سري كانيه هي الإمعان في تكريس الانقسام الكردي العربي والإبقاء على التوترات القومية في المنطقة، فإن هياكل الحكم التي أقامتها الإدارة الذاتية نجحت في إدماج العرب والشيشان والسريان في تلك الهياكل، وهو ما سينعكس على مسألتين: الأولى تفويت الفرصة على الساعين إلى تزكية المشكلات القومية، فيما تمثّلت المسألة الثانية بالمصير المشترك للسكان، إذ شهدت رأس العين/سري كانيه موجة نزوح عارمة مع الحرب التركية واحتلال رأس العين/سري كانيه عام 2019. ولم يقتصر النزوح على الكرد فحسب، بل شمل الجماعات القومية التي اندمجت أو تعاونت أو شاركت في مشروع الإدارة الذاتية.

واللافت في متابعة حدثي 2004 و2012 هو تكرار الأسماء التي تعاونت مع النظام في عملية قمع الكرد وترويعهم عام 2004 وأولئك الذين تعاونوا مع “الجيش الحر” والمجموعات الجهادية من أبناء المدينة، الأمر الذي يكشف عن وجود نزعة شوفينية محلّية كانت من نتائج حكم حزب البعث المديد وسياسات التمييز العنصري، فيما يلاحظ أيضاً أن ذات الشخصيات ستنخرط في عملية احتلال المدينة أواخر عام 2019.

الفصل الثالث: 2019- الحرب التركية على رأس العين/سري كانيه واحتلال المنطقة

فقدت أنقرة الثقة في وكلائها السوريين في المعارضة المسلّحة، الجيش الوطني والجماعات الجهادية، فيما يخص رغبتها العارمة في السيطرة على منطقة رأس العين/سري كانيه. لم يعد تنظيم داعش قادراً على شن هجمات كبرى بعد هزيمته في معركة كوباني 2014، وتدمير كيانه العسكري في الرقة. بذا، كان استقرار منطقة الإدارة الذاتية واقعاً يجب تدميره عبر الاعتماد على قوة الجيش التركي نفسه، في حالة تشابهت مع ما حصل في عفرين عام 2018، إذ يؤمّن الاتفاق مع قوةٍ دولية الغطاء المناسب للعمل العسكري المتبرّم من أي تقييد. بذا، ستصبح الأسلحة الثقيلة الطيران والقنابل على مختلف أشكالها وسائل مقبولة.

تسببت الحرب على رأس العين/سري كانيه وتل أبيض بحركة نزوح هائلة. وتحدثت الأمم المتحدة عن حركة نزوح لـ 180 ألف نسمة خلال الأسابيع الثلاثة الأولى للهجوم التركي، فيما أفضت الحرب إلى تدمير أجزاء من المدينة وتصفية حسابات مع معظم السكان الذين دعموا أو أيّدوا أو انضموا للإدارة الذاتية والاستيلاء تالياً على منازلهم وأراضيهم وإحلال سكان آخرين، سوريين وأجانب، في بيوت المهجّرين والمطرودين تحت قوّة السلاح والفارين من آلة العقاب الرهيبة التي خشوها، خاصةً أن بعض أبناء المدينة الذين فروا إلى تركيا في وقت لاحق من عام 2013 نتيجة تعاونهم مع فصائل «الجيش الحر» والجماعات الجهادية، كانوا يتوعدون بالقصاص من أبناء مدينتهم، وعملوا أدلاء لاحقاً مع الأتراك وفصائل المعارضة المسلحة المحتلة.

أسست معركة رأس العين/سري كانيه الثانية، وما لحقها من احتلال وتدمير، لمحاولةٍ تركية أخرى في سبيل تغيير التركيبة الديمغرافية لسكانها وإحلال سوريين وأجانب مكان السكان الأصليين. كما انتهت الأوضاع في رأس العين/سري كانيه لانتزاع أملاك معظم سكانها الذين خسروا بيوتهم ومحالهم وأراضيهم الزراعية وآلياتهم، في ظل استمرار الانتهاكات والاعتداءات على من تبقى من سكانها، وحتى أولئك الذين اضطروا للنزوح أو العيش في المخيمات.

دور واشنطن في تسهيل الهجوم التركي

في الأيام الأخيرة من حقبة إدارة باراك أوباما، كان الرئيس الأمريكي على استعداد لزيادة التدريب والمساعدة لقوات سوريا الديمقراطية للقضاء على تنظيم داعش نهائياً، إلّا أن الجنرال المتقاعد مايكل فلين، مستشار خلفه دونالد ترامب للأمن القومي، طلب من أوباما إيقاف تلك المساعدات ليتسنى لفريق الإدارة الجديدة إجراء تقييم خاص بهم. وأصبح واضحاً بأن فلين تم رشوته لتمثيل مصالح الحكومة التركية قبل أن يصبح مستشاراً للأمن القومي[54]. ومع وصول ترامب إلى سدة الحكم باء التفكير ببديلٍ عن قوات سوريا الديمقراطية لخوض معركة الإجهاز على تنظيم داعش بالفشل. وفي نهاية المطاف تحقق النصر الكبير على التنظيم في آخر معاقله بسوريا، الرقة، ومن ثم الإجهاز على فلول قواته المتمركزة بالباغوز في مارس/آذار 2019. ويعتبر التعاون العسكري بين القوات الأميركية وقوات سوريا الديمقراطية ضد قوات تنظيم داعش من أفضل الإنجازات العسكرية الأميركية في المنطقة منذ بداية القرن الحالي[55]. غير أن هذا التعاون، الذي أفضى إلى نصرٍ ساحق، وعوضاً أن يمتّن العلاقات بين “قسد” وواشنطن، أصبح مقدمة لانتهاج إدارة ترامب سياسة مضطربة في الملف السوري تحت وطأة إرضاء الطلبات التركية المتزايدة الداعية إلى فك الارتباط بين واشنطن و”قسد”. وفي النهاية، سترضخ إدارة ترامب للابتزاز التركي.

سيشهد عام 2018 تقلّباً أميركاً صارخاً. ففي نهاية 2018، قرر ترامب بدء تنفيذ الانسحاب من سوريا. عُد إعلان ترامب في 19 ديسمبر/كانون الأول انسحاب 2000 جندي أميركي من شمال شرقي سوريا هدية إلى كل من تركيا والرئيس السوري بشار الأسد. وكان أردوغان ذكر قبل إعلان ترامب الانسحاب بأسبوع أن الجيش التركي يستعد للقيام بتوغل بري في الأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية شرقي نهر الفرات[56].

ساهمت هذه التطورات في التعجيل باستقالة وزير الدفاع آنذاك جيمس ماتيس. وخلال الأيام المتوترة للغاية التي سبقت الاتفاق الأخير حين ازدادت الحشود العسكرية التركية، قال وزير الدفاع الجديد مارك أسبر إن الولايات المتحدة لن تتخلى عن حلفائها الأكراد، وأن أي إجراءٍ عسكري تركي أحادي الجانب ضد حلفاء واشنطن في سوريا “لن يكون مقبولاً”، وأن المفاوضات مستمرة للتوصل إلى اتفاق لمعالجة مصالح تركيا الأمنية[57]. بدوره، كان أردوغان بحاجة إلى اجتياحٍ ثالث في سوريا بعد تراجع شعبيته الانتخابية وفي خضم رغبته التعمية على استفزازه واشنطن بعد صفقة صواريخ إس 400 الروسية، أبدى الرئيس التركي رغبته المضي في توسيع رقعة الاحتلال التركية داخل سوريا.

وعلى الرغم من تراجع ترامب سريعاً عن الانسحاب الجزئي، واصل أردوغان الضغط وهدد في النهاية بالعمل من جانبٍ واحد في أوائل أغسطس/آب 2019. بعد مفاوضات اللحظة الأخيرة، اتفقت الولايات المتحدة وتركيا في 7 أغسطس/آب على منطقة عازلة ضيقة بدوريات أميركية تركية مشتركة، وهو مادفع واشنطن لإقناع قوات سوريا الديمقراطية لقبول هذه الصيغة، فقبلتها الأخيرة سداً لذرائع أنقرة، وقد فوجئ المسؤولون الأمريكان من المرونة التي أبدتها “قسد” حيال ذلك.

لكن أردوغان بقي غير راضٍ، وأصر في 6 سبتمبر/أيلول على أن تركيا ستتصرف من جانبٍ واحد، والتقدم السريع نحو السيطرة التركية الحصرية على منطقة بعمق 32 كيلومتراً وعرضها 480 كيلومتراً بحلول نهاية سبتمبر/أيلول[58]. من المهم فهم هذه اللحظة في السياق: في حين أن التوقيت الدقيق للهجوم التركي و”خيانة ترامب للكرد” يعكس أسلوبه المتهور، فإن حتمية مثل هذه المواجهة كانت مثبتة في بدأت استراتيجية مكافحة تنظيم داعش في ظل إدارة أوباما.

كان التحالف بين الولايات المتحدة ووحدات حماية الشعب (YPG) مؤكداً لإحداث رد فعل عنيف من تركيا – تمكنت الولايات المتحدة من تأخير المواجهة بينما كان تنظيم داعش يتفشى. ولكن مع هزيمته (مؤقتاً) والتزام الولايات المتحدة بسوريا غير المؤكد، شعر أردوغان أن الفرصة حانت[59]. ومع اقتراب الموعد النهائي لتهديد أردوغان بتنفيذ الغزو، انسحب ترامب أخيراً ونقل 50 من أفراد الخدمة الأميركية لإفساح المجال للهجوم التركي. وبطبيعة الحال، ستعمد تركيا إلى تسمية عمليتها المقبلة باسم مضلل، “نبع السلام”، جرياً على عادتها في تضليل الرأي العام العالمي مثلما حصل في العمليات التي أسمتها “درع الفرات -2016” و”غصن الزيتون- 2018″، وهو الأمر الذي قد يوحي بأن الهجوم والاحتلال ما هو إلّا عملية أمنية.

وفي ظل نجاح إدارة ترامب بالوصول إلى هدنة ووقف مطامع التوسع التركية عند حدود اتفاقية (بنس – أردوغان)، فإن الدور الأساسي في ذلك جاء نتيجة تلويح ترامب بتدمير الاقتصاد التركي حال مضيها في العداون. وبطبيعة الحال، كان لضغوط الحزبين في مجلسي الكونغرس والنواب دوره في لجم تنازلات ترامب.

التنفيذ وسير المعارك

مساء 9 أكتوبر/تشرين الأول، بدأت المدفعية والطيران التركيين باستهداف منطقة رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، الأمر الذي تسبب في حالة هلع واضطراب للسكان وفرار المدنيين. وفي ذات اليوم، بدأت القوات التركية والفصائل السورية المسلحة المتعاونة معها بالتقدّم. تسببت حركة النزوح القسري المتواصلة إلى نزوح 138 ألفاً[60] من منطقة رأس العين/سري كانيه وحدها. كما أثار الهجوم قلقاً دولياً بشأن النزوح الجماعي للمدنيين واحتمال هروب مقاتلي تنظيم داعش من السجون الكردية، ما أدى إلى إحياء تمرد الجماعة الجهادية في سوريا مرة أخرى[61]، ذلك أن “قسد” كانت تقاتل في تلك الأثناء على جبهتين: القوات التركية والفصائل السورية المسلحة الموالية لها، وخلايا تنظيم داعش التي حاولت انتهاز فرصة العدوان التركي.

وفيما كانت القصف المدفعي والجوي والمعارك على أشدّها، زعمت أنقرة أنها سيطرت على المدينة في 12 أكتوبر/تشرين الأول على وسط المدينة، إلّا أن مقاطع الفيديو التي بثّها مقاتلون في “قسد” أظهرت زيف الأخبار التركية، وأن “قسد” قامت بحركة تراجع تكتيكي، وأن المعارك تركزت في منطقة الصناعة، على ما قاله ناطق باسم “قسد” وقتذاك لوكالة رويترز. في تلك الأثناء، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الجماعات المدعومة من تركيا قتلت تسعة مدنيين على الطريق، بما في ذلك هرفين خلف، الرئيس المشارك لحزب سوريا المستقبل. ووثق المرصد في 12 أكتوبر/تشرين الأول من العام 2019، مقتل هفرين برفقة مدنيين اثنين جراء استهدافها بالرصاص من قبل فصائل موالية لتركيا عند طريق القامشلي – الرقة أثناء توجهها بسيارات مدنية للانضمام لاعتصام “خيمة الدروع البشرية” في مدينة تل أبيض. وقام بعملية الاغتيال، قائد تجمع “أحرار الشرقية” المدعو أبو حاتم شقرا. وفي وقتٍ لاحق، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية ضمن “الإجراءات المتعلقة بمكافحة الإرهاب والإجراءات المتعلقة بسوريا”، وضع أحمد إحسان فیاض الهایس الملقب بأبو حاتم شقرا على قوائم الإرهاب، إضافة إلى كيان “أحرار الشرقية” [62].

وتزامناً مع ذلك، تعرضت قافلة من أنصار قوات سوريا الديمقراطية، مع موفدين إعلاميين، إلى هجومٍ بالقرب من رأس العين/سري كانيه، حيث حاولت الذهاب إلى المدينة من أجل الدعم. أسفر هجوم القوات الجوية التركية على القافلة عن مقتل 14 شخصاً وإصابة عشرة آخرين [63].

في 13 أكتوبر/تشرين الأول، شنت قوات سوريا الديمقراطية هجوماً مضاداً، حيث صدت الجيش التركي واستعادت السيطرة على النقاط الرئيسية في المدينة، بما في ذلك المنطقة الصناعية. وبحلول 15 منه، استعادت السيطرة الكاملة على المدينة[64]. وفي 17 منه، حاصرت القوات التركية والجيش الوطني السوري نصف مدينة رأس العين/سري كانيه واستولت عليها، وسيطرت على مناطق جديدة في الهجوم بعد أن تجولت في البلدة وقطعت الطرق المؤدية إليها وسط اشتباكات عنيفة.

وقف إطلاق نار هش وانسحاب “قسد”

خلال يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول، توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاقٍ مع تركيا يقضي بوقف إطلاق نار لمدة خمسة أيام، لتنفيذ انسحاب “قسد” مسافة 20 ميلاً عن الحدود التركية، فيما قالت “قسد” إنها وافقت على وقف إطلاق النار فقط في منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض ورفضت الانسحاب مسافة 20 ميلاً الحدودية كلها، لتستمر الاشتباكات على الرغم من إعلان وقف إطلاق النار. ولم تتمكن أطقم الهلال الأحمر الكردي من الوصول إلى المدينة لإجلاء الجرحى في اليوم الأول للهدنة.

في يوم 20 أكتوبر/تشرين الاول، أعلنت «قسد» أنها ستنسحب من رأس العين/سري كانيه للامتثال للصفقة التي تم التوصل إليها بوساطة أميركية مع تركيا. وبدأت بعض قوات “قسد” بالانسحاب إضافةً إلى بعض السكان المدنيين خشية انتقام الميليشيات الحليفة التركية مع وقف إطلاق النار. وإثر انسحاب “قسد”، غادرت 86 مركبة البلدة لنقل قوات سوريا الديمقراطية إلى تل تمر، على بعد 40 كم جنوب رأس العين/سري كانيه. كما غادر بضع مئات من المدنيين البلدة مع قوات سوريا الديمقراطية[65].

لجوء تركيا لاستخدام أسلحة محرّمة دولياً

أظهرت طبيعة إصابات الجرحى الذين تم إجلاؤهم من رأس العين/سري كانيه أنها تتفق مع الحروق التي تتسبب بها قنابل الفسفور الأبيض. وأفاد الهلال الأحمر الكردي إن ستة مرضى – عسكريين ومدنيين – نُقلوا إلى المستشفى في الحسكة مصابين بحروق من أسلحة مجهولة وأنه يسعى لتحديد ما تم استخدامه. قيادة «قسد» صرحت أن أسلحةً غير تقليدية استخدمتها تركيا قبل ساعات قليلة من إعلان وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة لمدة خمسة أيام من قبل نائب الرئيس مايك بنس في أنقرة، ليعلن مفتشو الأسلحة الكيماوية التابعون للأمم المتحدة أنهم يجمعون أدلة بشأن مزاعم استخدام القوات التركية المواد ضد الأطفال، بحسب ما ذكرت صحيفة “ذي غارديان” البريطانية، فيما قالت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية إنها “على علم بالوضع وتقوم بجمع المعلومات فيما يتعلق بالاستخدام المحتمل للأسلحة الكيماوية” [66]. ومع إصرار أنقرة نفي استخدامها تلك الأسلحة، قال محققون دوليون من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW) إنهم لن يفحصوا عينات الأنسجة من ضحايا الهجمات قبل بشهر لأن إصابات الفوسفور الأبيض ناتجة عن خصائص حرارية وليست كيميائية. إن عدم الفحص هذا عنى احتمال تواطؤ محققي اللجنة مع الرواية التركية. ويضاف إلى ذلك أن أقوال اللجنة جاءت بعد فترة وجيزة من تبرع تركيا بمبلغ 30 ألف يورو (26 ألف جنيه إسترليني) لمركز منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. وفي ذلك الوقت، وصف النقاد إعلان 17 أكتوبر بأنه “رشوة” للتغطية على هجوم الأسلحة الكيماوية المميت الذي شنه عضو حلف الناتو (تركيا)[67].

فعلياً، فوتت المنظمات الدولية، لاسيما منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، فرصة كشف الحقيقة المتصلة باستخدام تركيا لقنابل الفسفور والنابالم، على الرغم من توافر الأدلة المستخلصة من الحالات الموجودة بالفعل في مشافي تل تمر والحسكة، والحصول عن أنسجة من أجسادهم يمكن فحصها من قبل تلك المنظمات المتخصصة، الأمر الذي كشف افتقار تلك المنظمات الدولية للحياد، وبالتالي تفويت فرصة محاسبة تركيا على استخدامها تلك الأسلحة ضد المدنيين.

الانتهاكات في رأس العين/سري كانيه

بفارقٍ كبير بين حالتي عفرين و رأس العين/سري كانيه، يمكن القول إن حجم النزوح في الأخيرة فاق ما حصل في عفرين، ذلك أن تجربة عفرين كرست فكرة صعوبة التعايش تحت ظلال الاحتلال التركي والمليشيات، وهو الأمر الذي دفع معظم سكان رأس العين/سري كانيه إلى النزوح المبكّر. وبالتالي، أصبحت حالات الاضطهاد القومي والممارسات العنصرية والانتهاكات الماسة بحقوق الإنسان أقل من حالة عفرين حيث لم يتبقّ من السكان الأصليين ما يمكّن للمليشيات والأتراك أن يلحقوا بهم الأذى كما في حالة عفرين.

أفضت حركة النزوح الكبرى في رأس العين/سري كانيه وحدها إلى نزوح أكثر من 138 ألفاً من سكانها، أي نحو 85  في المئة من سكانها البالغ عددهم 162 ألف نسمة، فيما ضم خليط النزوح الكرد والعرب والسريان الآشوريين والشيشان والأرمن، من بينهم أكثر من 25 ألف شخصاً يعيشون في مخيمان غير رسميان (واشو كاني/التوينة وسري كانيه/الطلائع) في محافظة الحسكة. وعليه، فقدت منطقة رأس العين/سري كانيه تنوعها القومي والديني والاثني، ولم يتبقَ فيها سوى قلة من الكُرد والمسيحيين والإيزيديين (48 شخص كُردي، أغلبهم/ن مسنين/ات، وأقل من 10 أشخاص مسيحيين، وثلاثة إيزيديين)، نتيجة استهدافهم وتعرضهم لانتهاكات لا حصر لها من قبل القوات التركية وفصائل «الجيش الوطني السوري» المعارض التي تدعمها وتمولها أنقرة[68].

بطبيعة الحال، وكما كان متوقّعاً، حصلت انتهاكات متواصلة لحقوق الإنسان، إذ وثقت رابطة “تآزر” مقتل 56 مدني/ة خلال وعقب “نبع السلام” من بينهم 11 شخصاً تمت تصفيتهم ميدانياً، واعتقال 540 آخرين، من بينهم 72 امرأة و45 طفل، في رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، من قبل القوات التركية وجماعات “الجيش الوطني السوري”.

وبحسب توثيقات “تآزر”، فإن أكثر من 185 شخصاً من المعتقلين تمَّ اخفائهم قسراً، حيث لا تزال عائلاتهم لا تعلم شيئاً حول مصيرهم، في حين تعرض 325 شخصاً للتعذيب في السجون التي تديرها المعارضة السورية، من بينهم خمسة معتقلين على الأقل قضوا تحت التعذيب. كما تورطت تركيا في جريمة إخفاء مواطنين من شمال شرق سوريا ونقلهم إلى أراضيها، إذ تمّ توثيق نقل ما لا يقل عن 92 محتجزاً سورياً إلى داخل الأراضي التركية خلال ما يسمى “نبع السلام”. حُوكم 48 شخصاً منهم بأحكام تعسفية تتراوح بين السجن 13 عاماً وحتى السجن المؤبد[69].

الجانب الآخر للانتهاكات طاول بيوت وعقارات ومحلات وأراضٍ زراعية للسكان الأصليين، وهي في الوضع الراهن تحت تصرف الفصائل المحتلة (الجبهة الشامية، فيلق المجد، أحرار الشرقية، الفرقة 20، فرقة الحمزة، فرقة السلطان مراد، فرقة المعتصم، جيش الإسلام، لواء صقور الشمال). غير أن الانتهاكات حصلت على يد المنظمات المدنية التركية، وهي منظمات محسوبة على الحكومة التركية. ففي 23 يونيو/حزيران 2020، وبحضور والي ولاية روها/ أورفا عبدالله أرين، تم افتتاح مقر لمنظمة “هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات” التركية عبر تحويل منزلين يعودان لعائلة الصحافي الكردي السوري والناشط الحقوقي محي الدين عيسو إلى معهدين لتحفيظ القرآن هما “الفاتح” و”الجزيرة”، فيما تورط “مجلس رأس العين/سري كانيه المحلي” المعيّن من قبل الأتراك في قضية الاستيلاء على المنزلين. ولئن كانت قضية الاستيلاء مختلفة عن قضايا الاستيلاء التي قامت بها الفصائل لجهة تورّط الحكومة التركية هذه المرة في عملية الاستيلاء، فإن محاولة تطويق القضية دفعت بمسؤول في مجلس المحلي للتواصل ومحاولة ثني الصحافي محي الدين عن تصعيده الإعلامي والحقوقي. ومع إقدام عيسو على رفع دعوى قضائية بدعم وإسناد منظمات دولية، منها لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، توجه ذات المسؤول في المجلس المحلي إلى عائلة الصحافي المقيمة في تركيا من أجل ممارسة الضغوط للكف عن إثارة قضية المنزلين. ونتيجةً لذلك، قرر عيسو إرجاء السير في الطريق القانوني. وبطبيعة الحال، ستعمد المنظمة التركية إلى تسليم أحد المنزلين إلى موظفٍ من إدلب يعمل لديها ويزاول عمليه في المنزل المستولى عليه تحت يافطة المنظمة، فيما تم إسكان سيدتان عراقيتان متزوجتان من عضوين في تنظيم داعش يتواجدان في ليبيا في منزل العائلة الآخر[70].

صحيح أن الفصائل هي من تتولى مهمة إدارة رأس العين/سري كانيه، إلّا أن جميع الانتهاكات المرتكبة في المنطقة تقع بدرجة أساس على سلطة الاحتلال التركي، وهو ما يجعل مسؤولية أنقرة، بوصفها سلطة احتلال حتى ولو لم تعلن ذلك، مضاعفة: مرّة لأنها الدولة التي قامت بالاعتداء على سيادة الأراضي السورية، ومرة لأنها مسؤولة عن الفصائل ولأنها قادرة على لجم تلك الفصائل ووقف انتهاكاتها المتواصلة.

وبطبيعة الحال، ستبقى الانتهاكات متواصلة طالما أن الاحتلال والفصائل المتعاونة مع تركيا متواجدين في رأس العين/سري كانيه، وطالما أن سياسات التهجير والحؤول دون عودة السكان الأصليين إلى مناطقهم مستمرة. والحال ذاته ينطبق على سياسة التغيير الديمغرافي السائرة على قدمٍ وساق بحسب ما يقوله النشطاء والنازحون. ولا يدخل في باب التنبؤ القول إن الانتهاكات المتصلة بحقوق الإنسان ستبقى هي الأخرى مستمرة في ظل فلتان المليشيات وغياب المحاسبة التركية، فيما كشفت الحرب أيضاً عن جانب تمت مناقشته في الفصلين الأول والثاني، حيث أن قسماً، وإن كان قليلاً، تعاون مع الاحتلال والمليشيات في عداء أبناء منطقتهم.

المراجع والمصادر

 

[1] إنكار الوجود – قمع الحقوق السياسية والثقافية للأكراد في سوريا- هيومن رايتس ووتش، نوفمبر/تشرين الثاني 2009

[2] كرد سوريا- التاريخ والسياسة والمجتمع – جوردي تيجيل، ت. محمد شمدين 2021

[3] المصدر نفسه

[4] هيومن رايتس ووتش، مصدر سابق

[5] تيجيل، مصدر سابق

[6] كان مجتمع رأس العين/سرى كانيه يضم قبل احتلال تركيا للمنطقة عام 2019 العرب والكرد (مسلمين وإيزيديين) وسريان آشوريين وأرمن وتركمان وشيشان، بنسب سكانية مختلفة.

[7] مقابلة مع المحامي والناشط السياسي لقمان بوبو ايانة، وهو من معتقلي انتفاضة 12 آذار 2004 ومن المشاركين في حركة الاحتجاجات وقتذاك.)

[8] مقابلة مع الصحفي سردار ملا درويش، وهو من المشاركين في الاحتجاجات وممن تعرّضت المحلات التجارية لعائلته لعمليات نهب وتحطيم.

[9] أيانة، مصدر سابق

[10] مصدر سابق

[11] ملا درويش، مصدر سابق

[12] أيانة، مصدر سابق

[13] أصدر المجلس المحلي للمجلس الوطني الكردي في سرى كانيه بياناً بخصوص هذه الحادثة في آذار/مارس 2019

[14] ملا درويش، مصدر سابق

[15] مصدر سابق

[16] مقابلة عبر الهاتف مع ساجد العبيد (اسم مستعار) مقاتل في صفوف الجماعات الجهادية في معارك 2012/2013.

[17] المصدر نفسه

[18] ARUTZ SHEVA7 – ThousandsFleeSyriaas Fighting Continues https://2u.pw/VUGhbe

[19] رأس العين: الصراع على “بوابة الجزيرة السورية” في ذكراهُ السابعة، سوريون من أجل الحقيقة والعدالة https://2u.pw/1XgnQm

[20] العبيد، مصدر سابق

[21] المصدر نفسه

[22] Aljazeera- https://2u.pw/TUU1IB – Fighting continuesacrossSyria

[23] Military https://2u.pw/ZSKDeK Battle of Ras al-Ayn,

[24] نبذة: قوات وحدات حماية الشعب الكردي _ BBC https://2u.pw/sTroxC (YPG)

[25] خبات ديريك (محمود محمد) مواليد 1962، قيادي في منظومة المجتمع الديمقراطي، فقد حياته أثناء القيام بعمله في القامشلي.

[26] صفحات من ثورة الشعب في روج آفا- آلدار خليل – إصدار المركز الكردي للدراسات 2018

[27] BBC مصدر سابق

[28] المصدر نفسه

[29] خليل، مصدر سابق

[30] Militaryمصدر سابق

[31] العبيد مصدر سابق

[32] Syriatroops besiege townnearDamascus – AHRAMONLINE https://2u.pw/UOSj7g

[33] حشد مقاتلين في رأس العين _ المرصد السوري https://2u.pw/scDUf7

[34] Military مصدر سابق

[35] أبو الليث الكردي، كردي من القامشلي كان في عداد “المقاومة” إبان احتلال العراق وعمل تحت لواء تنظيم القاعدة، قتل في مواجهة مع قوات الحكومة السورية في ريف الشدادي جنوب محافظة الحسكة.

نقلا عن المركز الكردي للدراسات

bottom of page