top of page
  • dar-assoc

حق العودة والآلية الآمنة وكيفية إعادة الحقوق لأصحابها






الملخص:

تشير تقارير حقوقية عديدة بأن عدد من ترك أو غادر منزله يفوق نصف عدد سكان سوريا الحالي، يتضمن ذلك النازحين/ات داخل سوريا، أو اللاجئين/ات إلى بلدان أخرى، أو من قدموا طلباً للجوء. حيث ذكرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) في آذار/مارس 2020 بأن واحداً من بين اثنين من الرجال والنساء والأطفال السوريين اضطر للنزوح قسراً منذ بداية النزاع في آذار/مارس 2011، ولأكثر من مرة واحدة في أغلب الأحيان.

شارك في عمليات تهجير الشعب السوري القسري معظم أطراف النزاع في سوريا، واتخذ التهجير القسري(1) في سوريا أشكال عدة، ممنهج وغير ممنهج، جماعي وفردي، وتحول في حالات عدة إلى أداة استخدمتها الأطراف المتنازعة كوسيلة لفرض السيطرة العسكرية، والسياسية، والإيديولوجية.

وكانت مناطق شمال وشمال شرقي سوريا قد خضعت على التوالي لسيطرة القوى المتصارعة في سوريا، بدءاً من الحكومة السورية ومن ثم فصائل المعارضة المسلحة،كذلك تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، ومن بعدها قوات سوريا الديمقراطية وحالياً قوات المعارضة السورية المدعومة من الجيش التركي، حيث تعاقبت ثلاث عمليات عسكرية شنّها الجانب التركي، استهدف من خلالها سكان المنطقة من عرب وكرد وسريان آشوريين وإيزيديين، وقد تسببت تلك العمليات في عفرين ورأس العين/سرى كانيه وتل أبيض بحركة نزوح كبيرة لأهالي المنطقة الأصليين وإحلال نازحين آخرين مكانهم.


المنهجية:

استند التقرير، الذي أعدته رابطة دار لضحايا التهجير القسري (DAR)، على مقابلات مع ضحايا التهجير القسري الذي تسببت به العمليات العسكرية التركية في كل من عفرين ورأس العين/سرى كانيه وتل أبيض، كذلك استندت على آراء وخبراء وناشطين يعملون على توثيق الانتهاكات التي تجري في تلك المناطق بواقع مقابلتين، كما استند التقرير على التقارير التي صدرت عن منظمات حقوقية ومراكز دراسات تناولت الموضوع.

ينقسم التقرير إلى قسم يستعرض الواقع الحالي للنازحين الذين تعرضوا إلى التهجير القسري، وفي القسم التالي يتناول السياسات المتبعة من سلطات الأمر الواقع والمجموعات المسلحة المدعومة من الجيش التركي، وفي القسم الثالث تستعرض الورقة الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بموضوع التهجير القسري والعودة الآمنة، إضافة إلى ما صدر عن المؤسسات الدولية بشأن سوريا وعودة النازحين فيها، كما تقدم الورقة جملة من التوصيات إلى أصحاب المصلحة والجهات الدولية المهتمّة بالشأن السوري.


المقدمة:

إن التغيرات التي أحدثتها سلطات الأمر الواقع، على المنطقة ونتيجة الاتفاقيات التي أدت إلى إحداث شكل من أشكال التبادل السكاني وما يشبه الهندسة الديموغرافية، برزت مشكلة كبيرة هي مشكلة النازحين السوريين "المهجّرين قسراً" وخصوصاً نازحي المناطق التي برزت على وقع العمليات العسكرية التركية. استهدفت العمليات التركية وسلطات الأمر الواقع الموالية لها الهوية الأصلية لسكان المنطقة وسعت إلى تغيير معالم المنطقة من جميع جوانبها، حيث قامت قوات “الجيش الوطني السوري” بنهب ممتلكات المدنيين والاستيلاء عليها بشكل منهجي. حاول العديد من المدنيين بطرق شتى استعادة ممتلكاتهم، ولكن عناصر "الجيش الوطني" قاموا بتهديد الكثيرين منهم والضغط عليهم وابتزازهم أو حتى احتجازهم، بينما اختُطف آخرون وأُجبروا على دفع فدية لقادة في "الجيش الوطني السوري" لقاء إطلاق سراحهم. وقد تعددت أنماط الاستيلاء على ممتلكات المدنيين في عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض، على سبيل المثال قامت العديد من الفصائل العسكرية بكتابة أسماء قادتها أو اسم الفصيل على جدران منازل المدنيين وعقاراتهم، كدلالة على مصادرتها وعائديتها لهم، أو وضع علامات تشير إلى أن العقار بات محجوزاً، في إشارة واضحة لمنع عودة مالكي العقارات الفارين من بطش الحرب وعنف فصائل الجيش الوطني. إلى ذلك قامت الفصائل بإسكان عائلات عناصرها أو استخدامها كمقرات عسكرية أو مؤسّسات إدارية تتبع للمجالس المحلية. وقد استولت القوات التركية أيضاً على بعض الممتلكات، وتحويلها إلى مواقع وقواعد عسكرية لقواتها.

تضاعفت تأثيرات هذه الإجراءات بعملية أخرى حيث قامت الحكومة التركية باستقدام آلاف العائلات السورية النازحة عن مناطق سورية أخرى بفعل النزاع بين النظام والمعارضة المسلحة، وتوطينها في منازل تمَّ تهجير سكانها الأصليين في عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض، وتمَّ إخلاء الكثير من المنازل من ساكنيها الكُرد، وتوطين عائلات عناصر "الجيش الوطني السوري" مكانهم، كما أشارت عدة تقارير حقوقية في أن العديد من عائلات مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية – داعش، معظمهم عراقيين، قد سكنوا في منازل تمَّ الاستيلاء عليها ضمن نطاق منطقة رأس العين/سري كانيه(2).

إنَّ إعادة توطين سوريين من محافظات أخرى في مناطق عفرين ورأس العين/سري كانيه، التي نزح عنها سكانها الأصليون قسراً، أدى إلى تغيير حاد في التركيبة الديموغرافية للمنطقة على أساس عرقيّ ومناطقيّ، كما أنه يقوّض السلم الأهلي والتعايش المشترك الذي تتسم به، وسيزداد المشهد تعقيداً مع استمرار هذه الأوضاع، وإذا لم تتم معالجة هذه القضية في سياق إيجاد حل سياسي شامل لإنهاء النزاع في سوريا. وفي السياق قال عز الدين صالح، المدير التنفيذي لرابطة تآزر"(3) للضحايا إن: "أحد الآثار الكارثية لهذه الانتهاكات هو تغيير الهندسة الديموغرافية للمناطق ذات الغالبية الكُردية في سوريا، الذي أصبح يشكل قلقاً متزايداً لدى سكان تلك المناطق، لا سيما مع إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مطلع أيار/مايو 2022، عن تحضير أنقرة مشروعاً يتيح العودة الطوعية لمليون لاجئ سوري تستضيفهم تركيا إلى بلادهم".


"العيش في المخيم أفضل من العيش مع إحرام الفصائل"

لقد أدت العمليات العسكرية في عفرين (2018) ورأس العين وتل أبيض (2019) إلى اضطرار الآلاف من المدنيين لمغادرة منازلهم، وعند محاولة البعض منهم العودة الى بيوتهم وجدوا أناس آخرين في بيوتهم أو تم منعهم من العودة، وهو ما أكدت عليه، السيدة عليا سعدون(4)، لدار: هاجرت من عفرين في اليوم الثالث من القصف التركي علينا وكنت وقتها حاملاً بالشهر السابع، تركنا كل أملاكنا خلف ظهورنا وهاجرنا إلى مخيم الشهباء، حاول زوجي العودة إلى عفرين ذات مرة لكنه تعرض للتهديد ولم يتم إعادة منزلنا الذي يسكنه أحد أبناء ريف دمشق.


كذلك الحال بالنسبة للنازحين من رأس العين/ سري كانيه، والتي هجر أهلها بعد العملية العسكرية التركية التي أطلقت عليها اسم "نبع السلام" أواخر عام 2019، حيث يقول أحمد الحجي(5)، وهو من سكان مدينة رأس العين: "حاولت مرة العودة إلى رأس العين لاستعادة منزلي وأرضي وأملاكي لكن الفصائل المسلحة قامت باعتقالي وتعذيبي وإهانتي، ولم يتم الإفراج عني إلا بعد دفع الدية لهم. هؤلاء وحوش بلباس البشر".


يعيش معظم النازحين من مناطق راس العين وعفرين وتل أبيض في مخيمات مؤقتة تفتقر للمقومات الضرورية للحياة حيث لا تصلها العديد من الخدمات الأساسية وسبل العيش، في هذا الصدد تقول سميرة إيبو(6)، وهي مهجّرة من عفرين: "أعيش في المخيم مع خمسة أطفال منذ احتلال مدينتي، لا نملك أي شيء، نعيش على المساعدات الإنسانية التي تقدمها بعض المنظمات الخيرية، ننتظر ذاك اليوم الذي نعود فيه ونسترد حقوقنا ونعيش بأمان. هنا داخل المخيم لا ماء ولا كهرباء ولا غاز، نتمنى أن نعود إلى عفرين ونستعيد بيوتنا وأملاكنا وأشجار الزيتون".


يأمل النازحون العودة إلى بيوتهم وأملاكهم في أقرب وقت، حيث تضيف سميرة أنها تتحدث "يومياً إلى أطفالها عن عفرين وجمالها وبساطة أهلها، عن الذكريات والجيران، عن أشجار الزيتون، حتى لا ينسوا يوماً أنهم من عفرين وأنهم سيعودون إليها".


بدورها تأمل عليا في أن تخرج طفلتها التي ولدتها في المخيم ولا تعرف عن العالم غير حياة المخيم، حيث تقول: "ولدت بطفلة أسميتها (عفرين) وهي الآن في عامها الخامس، عاشت سنواتها الخمسة في المخيم لا تعرف معنى المدينة ولم تشاهد سوى المقيمين هنا. أحلم أن تتخلص ابنتي من هذا الجحيم الذي تعيشه وأن تعود إلى مدينتها بأقرب وقت ممكن".



ومن الملاحظات التي يتوجب التركيز عليها أن سياسة التغيير الديمغرافي والهندسة الاجتماعية تمثّل إحدى المشكلات التي تدفع المهجرين/ات لتفضيل البقاء في المخيمات وفي ظروف إنسانية بالغة السوء على العودة، حيث يبلغ عدد النازحين من عفرين قرابة 250 ألف نازح، ويعيش حالياً أكثر من (133) ألف نسمة نازح في مقاطعة الشهباء، ما بين المخيمات والقرى التابعة للمقاطعة، ومنهم ما يقارب (120) الف نسمة يقطنون في منازل كانت فارغة لم تكن مؤهلة للسكن(7)، أما في رأس العين وتل أبيض فلا يزال أكثر من 150 ألف شخص من السكان الأصليين للمنطقة نازحين ومهجرين قسرياً موزّعين على المخيمات ومدن شمال وشرقي سوريا فيما اختارت فئة ممن طال بهم أمر النزوح إلى الهجرة نحو إقليم كردستان وأوروبا بعد فقدانهم الأمل بتوافر مؤشرات العودة في الأفق المنظور.


ماذا عن حق العودة؟

تؤكّد القاعدة 132من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي أن: للأشخاص النازحين الحق في العودة الطوعية بأمان إلى ديارهم أو أماكن سُكناهم المعتادة حالما تنتفي الأسباب التي أدت إلى نزوحهم. ويفرض هذا الحق، على السلطات ذات الصلة، مجموعة من الواجبات القانونية تتمحور بشكل أساسي حول اعتبار النزوح حالة مؤقتة. كما تم تأكيد ذلك في مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية للنزوح الداخلي عبر تحميل السلطات المختصة، وبشكل أساسي تلك التي تسببت بالنزوح، واجب ومسؤولية تهيئة الظروف وتوفير الوسائل لتمكين النازحين داخلياً من العودة الطوعية، آمنين مكرّمين. هذا فضلاً عن النص الواضح الذي ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأن "لكل شخص الحق في ... العودة إلى وطنه".


إن التذرع بسير الأعمال العدائية والسياق العسكري وضروراته لدفع المدنيين للنزوح وتركهم وحيدين لمصائرهم يخالف جوهر حظر التهجير أولاً، وموجبات الطرف القائم على التهجير ثانياً. وتتحمل السلطات المعنية مسؤولية القيام بالعديد من التدابير اللازمة لضمان حق عودة النازحين واللاجئين ومنها: تدابير تكفل العودة الآمنة، ولاسيّما نزع الألغام حال وجودها؛ توفير المساعدة لتغطية الحاجات الأساسية (المأوى، والغذاء، والماء، والعناية الطبية)؛ توفير مواد البناء، والمواد المنزلية، والأدوات الزراعية، والبذور، والأسمدة؛ ترميم المدارس، وبرامج تدريب المهارات، والتربية. كما يمكن اتخاذ تدابير تسمح للأشخاص النازحين (أو من يمثلهم) بزيارة مناطق العودة، قبل عودتهم إليها، لتقييم الوضع بالنسبة للأمان وللظروف المادية.


وفي هذا السياق قال كمال بوزان(8) لـ"دار"، وهو مدني نازح من تل أبيض: "لن نعود إلى مدينتنا وإلى بيوتنا ما دام هناك محتل تركي وفصائل عسكرية تستبيح كل شيء، العودة تحتاج إلى ظروف ومناخات صحية تبدأ بالأمان وتنتهي بالعيش بكرامة دون خوف من قتل أو اعتقال أو ترهيب (...) خسرت كل شيء، منزلي وكل أملاكي، هناك غرباء يسكنون بيتي واستولوا على مصدر رزقي الوحيد، يجب أن يعود الحق إلى أصحابه حتى نعود إلى مدينتنا"، إن خشية السكان الأصليين من العودة إلى ديارهم تبدو وثيقة الصلة بالانتهاكات المتواصلة التي يرتكبها الوكلاء عن الحكومة التركية، أي فصائل "الجيش الوطني"، والتي تعتبر انتهاكاتهم مسؤولية تركية في المقام الأول بوصفها من تدير المناطق التي أقامت فيها "مجالس محلية" تدير الفصائل المسلحة الموالية لأنقرة. إن الحالات التي قامت دار بمقابلتها تتقاطع لجهة خشيتها من العودة غير المضمونة والآمنة إلى مناطقهم الأصلية، أو محاولتهم استعادة ممتلكاتهم التي خسروها وسيطرت عليها الفصائل.



وقد أكد قرار مجلس الأمن التابع للأم المتحدة 2254 لعام 2015 على "الحاجة الماسة إلى تهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخليا إلى مناطقهم الأصلية وإعادة تأهيل المناطق المتضررة، وفقا للقانون الدولي." إذ لابد من أن يكون للنازحين واللاجئين رأيهم في حق العودة، حيث يقول أحمد الحجي في معرض إجابته عن سؤال دار حول شكل العودة الأمثل بأنها: "يجب أن تكون جماعية وبرعاية أممية لضمان سلامة الناس، أما العودة الفردية ستجعل من الفصائل العسكرية أكثر وحشية وتنفرد بالضحية ولن نستفيد شيئاً".


وقد تمّ التأكيد على حق اللاجئين في استرداد ممتلكاتهم ضمن المبادئ التي ذكرها المقرر الخاص للأمم المتحدة باولو بينيرو والتي يُشار إليها اختصاراً بـ "مبادئ بينيرو"، التي تشير إلى حقّ جميع اللاجئين والمشردين أن يستعيدوا أي مساكن أو أراضي و/أو ممتلكات حُرموا منها، بصورة تعسفية أو غير قانونية، أو أن يحصلوا على تعويض عن أي مساكن أو أراضي و/أو ممتلكات يتعذر عملياً إعادتها إليهم، حسبما تخلص إليه محكمة مستقلة محايدة. وفي هذا الصدد يذكر الحقوقي حسين نعسو(9): "إن أي حديثٍ عن حق العودة للمهجرين قسراً إلى ديارهم، وحتى يكون ناجعاً ومفيداً، لابد أولاً من توفير مقومات من شأنها أن تجعل ممارسة هذا الحق سلساً ودون عواقب أو تبعات من شأنها تهديد حياة العائد أو أن تجعله عرضةً للانتهاك والابتزاز تارةً، وللاعتقال والاختطاف والقتل تارةً أخرى على يد الفصائل المرتزقة التي تستحل بيوت وأملاك هؤلاء المهجرين".

معوّقات العودة الآمنة:



لا يجرؤ معظم المهجّرين العودة إلى ديارهم رغم مرور ما يزيد عن خمسة أعوام على احتلال تركيا عفرين، وأربعة أعوام على احتلالها لرأس العين وتل أبيض، رغم أن البند الأول من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم /1514/ تاريخ 14 كانون الأول1960، نص على "إن إخضاع الشعوب لاستعباد الأجنبي وسيطرته واستغلاله يشكل إنكاراً لحقوق الإنسان الأساسية، ويناقض ميثاق الأمم المتحدة، ويعيق قضية السّلم والتعاون العالميين"(10)، فيما السبب الرئيسي لعدم عودة النازحين يكمن في ممارسات الفصائل المدعومة من تركيا والمسيطرة على هذه المناطق، إذ إن الانتهاكات التي ترتكبها بحق السكان الأصليين والترهيب القائم على ممارسات السرقة والسطو على الأملاك وصولاً للاختطاف والقتل، والاضطهاد الثقافي والقومي والديني، يشكلون أبرز المخاطر التي تهدد أي شخص يفكّر بالعودة، لذلك تبدو أفكار العودة في الوقت الراهن رهينة ظرف سياسي يتمثّل بانتهاء الاحتلال التركي لمناطق في الشمال السوري وخروج الفصائل وهو أمر خارج إرادة المهجّرين/ات، وفي هذا السياق ركّز نعسو في المقابلة التي أجريت معه على جملة مسائل يجب توافرها لتأمين العودة الآمنة وذلك عبر" تهيئة الأرضية والبيئة الأمنية المناسبة لذلك، اي ان تكون المنطقة المراد العودة اليها مستتبة أمنياً. وأن تكون العودة برعاية أممية أو دولية، بحيث تنظم قوافل العودة من قبل الرعاة وبإشرافهم تجنباً لابتزاز المهربين؛ كذلك وجوب أن تتولى الأمم المتحدة أو الدول الضامنة (روسيا وأميركا) حماية حياة العائدين وصون كرامتهم، وأن تعمل على استرداد وإعادة أملاكهم المغتصبة من قبل الفصائل المرتزقة".


ويزيد من معضلة العودة سياسات الإحلال السكاني والهندسة الاجتماعية التي تجري بإشراف تركيّ وتنفيذ الفصائل لها، سياسة "الإحلال السكاني" في عفرين ورأس العين، ففي الأخيرة وحدها وطّنت تركيا والفصائل حوالي 2800 عائلة من مناطق سورية مختلفة في منازل المهجّرين قسراً والنازحين، وتوطين 72 عائلة، على الأقل، من نساء وأطفال مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وأما المنازل التي تحققت دار من استيلاء الفصائل عليها فقت فاقت 5600 منزلاً و1200 محلاً تجارياً وصناعياً، إضافةً إلى الاستيلاء على 100 ألف هكتار من الأراضي الزراعية. ولعل معضلة الاستيلاء بالقوة والقهر التي طاولت الحالات التي سعت إلى استرداد أملاكها أعطى مؤشراً لبقية المهجّرين حول تعذّر العودة في الظروف الراهنة مع ما تبديه الفصائل من قسوة وتهديد لمن يحاول الوصول إلى حقوق ملكيته في تلك المناطق، وبحسب صالح فإن "إعادة توطين سوريين من محافظات أخرى في مناطق عفرين ورأس العين/سري كانيه، التي نزح عنها سكانها الأصليون قسراً، يؤدي بطبيعة الأمر إلى تغيير الهندسة الديموغرافية في المنطقة، كما يقوّض السلم الأهلي والتعايش المشترك الذي تتسم به، وسيزداد المشهد تعقيداً إن طال الأمر".


المقترحات والتوصيات:

تتعرض مأساة المهجّرين/ات قسرياً للتهميش من قبل المجتمع الدولي والدول المعنية بالملف السوري ووكالات الأمم المتحدة، فيما لا تقيم تركيا والفصائل الموالية لها أي اعتبار لمناشدات الأهالي للعودة إلى مناطقهم الأصلية واستعادة أملاكهم. إن السعي لمعالجة مأساة عشرات الآلاف من المهجرين/ات يتطلّب إيجاد حلّ جدي للأزمة السورية وإنهاء الاحتلال التركي والتوقف عن سياسات التغيير الديموغرافي والتوطين والهندسة الاجتماعية التي تتبعها تركيا، والالتزام تالياً بالمواثيق والمعاهدات الدولية والقرارات ذات الصلة التي تعارض سياسات طرد السكان وتهجيرهم وتؤيد حق النازحين/النازحات للعودة إلى ديارهم.


إن ضعف المقومات الخدمية المقدمة للمهجرين/ات، وانعدام سبل العيش في المخيمات والبلدات والمدن التي نزح إليها مهجّرو المناطق المشار إليهم في هذا التقرير، قد يؤدي إلى تفاقم مشكلاتهم لاسيما الفئات الأشد ضعفاً كالنساء والأطفال والمرضى، وهذا يفرض على الأطراف المتدخلة في الصراع في سوريا والمجتمع الدولي وأصحاب المصلحة في اتخاذ إجراءات عاجلة، وهي:

على اعتبار الدولة التركية طرف "ضامن" ومتورط في الصراع السوري، ومتسبب في مأساة مئات الآلاف من السوريين الذي نزحوا من بيوتهم نتيجة العمليات العسكرية التي قامت بها في سوريا، عليها اتخـاذ إجـراءات فوريـة لحمايـة حقـوق الإنسان، واحترام القانون الدولي الإنساني، لاسيما المواد والقواعد التي تؤكّد على عودة الأشخاص النازحين، ودفع الفصائل المسلحة السورية الموالية لها للكفّ عن ترويع المهجّرين قسراً ومعاقبتهم وسلب ممتلكاتهم. كذلك ضرورة انسحاب القوات التركية والفصائل المسلّحة السورية الموالية لها من المناطق التي تمت السيطرة عليها، وأدت إلى تهجير سكانها الأصليين عنها قسراً، أو أرغمتهم على النزوح نتيجة خوفهم من العقاب والانتهاكات، وتسليم إدارة هذه المناطق لمجالس مدنية مشكّلة من أبناء تلك المناطق، مهمتها الإشراف وتيسير الخدمات وعودة المهجّرين قسرياً إلى مدنهم وبلداتهم واستعادة ممتلكاتهم.


وفي الجهة المقابلة على الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، باعتبارها السلطة التي تدير معظم مناطق شمال شرقي سوريا، وتقع ضمن مناطقها العشرات من مراكز ومخيمات النازحين داخلياً، أن تقوم بتحسين ظروف المخيّمات عبر توسيع التواصل والتشبيك مع المنظّمات والوكالات الأممية ذات الصلّة، وإدخال المخيمات في برامج الأمم المتحدة الإنمائية والإغاثية.

كذلك على وكالات الأمم المتحدة والهيئات الأممية، تهيئة الظروف المناسبة لعودة المهجّرين قسراً تحت رقابة ومتابعة وكالات الأمم المتحدة، والضغط على الحكومة التركية والفصائل المسلحة الموالية لها، لوقف سياسات الإحلال السكاني والتغيير الديمغرافي وسلب ممتلكات المواطنين المهجرين.


كما لابد لوكالات الأمم المتحدة الضغط على حكومة دمشق للسماح لوكالاتها بالعمل ضمن مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وتنفيذ علمياتها في مخيمات ومراكز النزوح، دون أن تتعرض لتهديد حكومة دمشق بوقف التعاون مع وكالاتها ووقف برامجها. وأيضاً، وجوب تضمين المهجّرين/ات من المناطق التي سيطرت عليها تركيا والفصائل في برامج الإغاثة التابعة للأمم المتحدة، وتقديم الخدمات في المخيمات ومراكز النزوح لاسيما للفئات الأكثر ضعفاً (النساء والأطفال والمرضى).


على الأطراف الدولية كالاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة، باعتبارها أطراف ضامنة، أن تتخذ الإجراءات اللازمة لدعم مسار العودة الطوعية والآمنة لجميع النازحين السوريين وخصوصاً في مناطق شمال وشرق سوريا، حيث تهدد سياسات التغيير الديمغرافي السلم الأهلي في المنطقة، وبالتالي وجوب ضغط هذه الأطراف على حلفائهم في الأزمة السورية للتعاون من أجل إيجاد حلول عاجلة لمشاكل النازحين.


المصادر والمقابلات

(1) يعني التهجير القسري أن السكان المدنيين يجبرون على الانتقال ضد إرادتهم ودون خيار حقيقي “عبر الطرد أو غيره من أشكال الإكراه. قد يشمل مصطلح “قسري” القوة المباشرة، فضلاً عن التهديد باستخدام القوة أو الإكراه، مثل تلك الناتجة عن الخوف من العنف أو الإكراه أو الاحتجاز أو الاضطهاد النفسي أو إساءة استخدام السلطة أو فعل استغلال ظروف المحيط/البيئة القسرية”: ICTY, Prosecutor v. Radovan Karadžić, Case No. IT-95-5/18-T, Public Redacted Version of Judgement Issued on 24 March 2016 – Volume I of IV (TC), 24 March 2016, § 489.

(2)أين بيتي: انتهاكات حقوق الملكية في شمال سوريا تُكرّس التغيير الديمغرافي، رابطة تأزر، يناير 19, 2023: https://2u.pw/vh6BbHF

(3) مقابلة مع عزالدين صالح، المدير التنفيذي لرابطة تآزر

(4) مقابلة مع عليا سعدون “اسم مستعار” -مهجّرة من عفرين

(5) مقابلة مع أحمد الحجي”اسم مستعار” - مهجّر من تل أبيض

(6)مقابلة مع سميرة إيبو “اسم مستعار” -مهجرة من عفرين

(7) نازحو عفرين في قرى ومخيمات الشهباء… حصار ومعاناة يومية، صالح عيسى، YEK-DEM https://2u.pw/hvEYHIT

(8) مقابلة مع كمال بوزان “اسم مستعار” -مهجر من تل أبيض يسكن في القامشلي

(9) مقابلة مع المحامي والناشط الحقوقي حسين نعسو

(10)إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة- جامعة منيسوتا https://2u.pw/pDvc1Gz


رابطة دار لضحايا التهجير القسري (DAR)– ديسمبر/كانون أول 2023


٨٣ مشاهدة٠ تعليق
bottom of page